ذلك: انشغال الصحابة بأمورهم الخاصة والعامة وانشغالهم بالجهاد،
وإذا كان هذا جائزاً فإنه يجوز كثرة الأجوبة دون كثرة الناقلين.
الدليل الثاني قالوا فيه: إن ما تعم البلوى به كخروج النجاسة من
السبيلين يوجد كثيراً، ويتكرر في كل وقت، فيجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - إشاعته، وأن لا يقتصر على مخاطبة الآحاد به، بل يلقيه على عدد التواتر مبالغة في إشاعته؛ لأن عدم إشاعته يؤدي إلى إخفاء بعض
الأحكام الشرعية، وإبطال صلاة أكثر الخلق وهم لا يشعرون، ولما
كان هذا الخبر مما تعم به البلوى لم ينقله إلا الواحد، فإن هذا مما
يثير الشك في ثبوته، والحديث المشكوك في ثبوته لا يقبل.
جوابه:
يجاب عنه: بأن ما ذكرتموه إنما يصح أن لو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد كلَّفه الّه تحالى بإشاعة الأحكام على لسان أهل التواتر، وهذا غير مسلم، فليس من شرط الخبر الذي تعم به البلوى أو غيره أن يشيعه
الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل الحق في ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مكلَّف بإشاعة بعض الأحكام، ورد الخلق في بعضها الآخر إلى خبر الواحد؛ لأن مصلحة الخلق اقتضت ذلك؛ قياساً على حديث الأشياء الستة، فقد بين فيه: أنه لا يجوز الربا في البر - فقط - فقاس العلماء عليه كل المطعومات بجامع: الطعم في كل، وكان يسهل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوتي جوامع الكلم أن يقول:" حرمت الربا في المكيل أو في المطعوم " حتى يستغنى عن الاستنباط والقياس على الأشياء الستة،
وما فعل ذلك إلا لمصلحة أرادها الشارع، كذلك يقال هنا: من
الجائز أن تقتضي مصلحة الخلق ردهم فيما تعم به البلوى إلى خبر