الدليل الأول: أن الظاهر من حال الراوي العدل الثقة أنه لا يجوز
لنفسه أن يروي حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا إذا علم، أو غلب على ظنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قاله فعلاً، وهذا لا يكون إلا إذا كانت عدالة الشيخ الذي روى له الحديث قد ثبتت واستقرت عند ذلك الراوي الذي أرسل هذا الحديث؛ لأنه يبعد أن يظن ذلك الراوي عدم صدوره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك يرويه؛ لأن ذلك كذب مسقط لعدالته، وإذا كان الأمر كذلك فيجب قبول ما ينسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الدليل الثاني: أن من عادة الراوي العدل أن لا يرسل الحديث إلا
إذا تيقن من ثبوت هذا الحديث، فإذا شك فيه فإنه لا يرسله، بل
يذكر الشيخ الذي حدثه به؛ لتكون العهدة على ذلك الشيخ، وهذه
عادة مستمرة لهم، يؤيد ذلك ما ذكره ابن عبد البر في " التمهيد "
عن إبراهيم النخعي أنه قال: " إذا رويت عن عبد اللَّه - يقصد ابن
مسعود - فقد حدَّثني واحد، وإذا أرسلت فقد حدَّثني جماعة عنه "،
فإذا كانت هذه عادتهم - وهي: أنهم لا يرسلون إلا ما ثبت
عندهم - فيكون الحديث المرسل ثابتاً، والثابت يقبل ويعمل به.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
وجه الدلالة: أن هذه الآية أوجبت على الطائفة إذا رجعت إلى
قومها أن تنذرهم، ولم تفرق الآية في الإنذار بين ما أرسلوه وما
أسندوه، فهذا يدل على قبول الحديث المرسل كما يقبل الحديث
المسند ولا فرق.
الدليل الرابع: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) .