فلو دققت النظر في أدلة أصحاب المذاهب لوجدت أنهم يعنون
بالمرسل المقبول هو مرسل العدل الثقة، ويكنون بالرسل غير المقبول
هو مرسل من لم تثبت عدالته.
دلطَّ على ذلك كلام المحققين الأصوليين كأبي الوليد الباجي في
"الإحكام "، والجصاص في " أصوله "، وأبي يعلى الحنبلي في
"العدة"، وابن عقيل في " الواضح "، وشيخ الإسلام ابن تيمية في
" المسودة "، والأنصاري في " فواتح الرحموت ".
وهو الحق عندي: فمن قال بقبول الحديث المرسل يحمل على ما
إذا كان المرسل - بكسر السين - من أولئك العلماء العدول الثقات
الماهرين بمعرفة شرائط قبول الرواية، الذين يعرف من حالهم أنهم لا
يرسلون إلا عمن يقبل حديثه.
أما من قال بعدم قبول الحديث المرسل، فيحمل على موضع غلبة
الريبة والشك في المرسِل - بكسر السين -.
يؤيد ذلك: أن من قال بقبول المرسل - بشروط أو بعدم شروط -
تراهم قد امتنعوا من قبول المراسيل إذا لم يكن المرسل من الأئمة
العدول الثقات، وذلك لغلبة الريبة والشك في المرسل.
وأن من قال بعدم قبول المرسل تراهم قد قبلوا مراسيل التابعين
كسعيد بن المسيب، وذلك لانتفاء غلبة الريبة في المرسل.
فيكون الخلاف - بذلك - لم يتوارد على محل واحد، فيكون
لفظيا.
أما ما ذكره بعضهم من أن الخلاف له ثمرة وأثر في بعض الفروع
الفقهية، وذكر عدداً من المسائل الفقهية التي تأثرت بهذا الخلاف،