النوع الخامس: الاستحسان بالقياس الخفي، وهو: العدول عن
حكم القياس الظاهر المتبادر فيها إلى حكم آخر بقياس آخر هو: أدق
وأخفى من الأول، لكنه أقوى حُجَّة، وأسد نظراً، وأصح استنتاجا
منه، مثل: عدم قطع يد من سرق من مدينه، بيان ذلك:
أن من له على آخر دين حال من دراهم فسرق منه مثلها قبل أن
يستوفيها فلا تقطع يده، أما إذا كان الدين مؤجلاً، فالقياس يقتضي
قطع يده إذا سرق مثلها قبل حلول الأجل؛ لأنه لا يباح له أخذه قبل
الأجل، لكن عدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر، وهو: أن يده
لا تقطع؛ لأن ثبوت الحق - وإن تأخرت المطالبة - يصير شبهة
دارئة وإن كان لا يلزمه الإعطاء الآن، فعدم قطع اليد هنا ثبت
استحساناً.
بيان حجية الاستحسان بناء على هذا التعريف:
الاستحسان بهذا المعنى حُجَّة باتفاق العلماء؛ حيث لم ينكره
أحد، وإنما الخلاف في تسميته استحسانا، فبعضهم سماه بهذا الاسم
وبعض آخر لم يسمه بذلك.
وهو راجع إلى العمل بالدليل القوي الذي ترجح بذلك على ما
هو أضعف منه، وهذا لا نزاع فيه.
التعريف الثاني: أن الاستحسان هو: ما يستحسنه المجتهد بعقله.
وهو محكي عن أبي حنيفة - رحمه الله -.
والمراد منه: ما سبق إلى الفهم العقلي، دون أن يكون له دليل
شرعي يستند إليه من كتاب أو سُنة أو إجماع أو قياس، أو أي دليل
آخر معتمد شرعا.