بيان أنه لا يجوز للمجتهد التمسك بالمصالح الحاجية والتحسينية
إلا بدليل شرعي:
هذا بالإجماع؛ لأنه لو جاز التمسك بالمصلحة الحاجية أو
التحسينية بدون دليل أو أصل شرعي: للزم من ذلك أمور باطلة،
وهي كما يلي:
الأمر الأول: أنه يلزم وضع الشرع بالرأي المجرد، وهذا باطل.
الأمر الثاني: أنه لا يحتاج إلى بعثة الرُّسُل والأنبياء ليعلموا الناس
شرع ربهم، ولكان الخلق يشرعون ما يريدون بعقولهم، فما يحسنه
العقل أثبتوه، وما قبحه العقل اجتنبوه، وهذا ظاهر البطلان؛ لأن
العقل لا مدخل له في الشرعيات.
الأمر الثالث: أنه يلزم من ذلك: عدم الفرق بين المجتهد والعامي،
وأن كل واحد منهما يساوي الآخر؛ لأن كل واحد منهما يعرف
مصلحة نفسه فيما يقع موقع الحاجة والتحسين، وهذا باطل.
التقسيم الثاني: تنقسم المصالح من حيث اعتبار الشارع لها وعدم
ذلك إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المصالح المعتبرة، وهي المصالح التي اعتبرها
الشارع وأثبتها وشهد بذلك، وأقام دليلاً على رعايتها، فهذه
المصالح حُجَّة لا إشكال في صحتها، ويرجع حاصلها إلي القياس،
فإن الشارع إذا نص على حكم في واقعة معينة، واستنبط المجتهد
العلَّة التي شرع الحكم لأجلها؛ لأن الأحكام الشرعية مصلحية،
أي: أن اللَّه لا يشرع حكما إلا وفيه جلب مصلحة للعباد، أو دفع
مضرة عنهم، فإنا إذا وجدنا واقعة أخرى وجدت فيها تلك العلَّة،
فإنا نلحقها بالحكم الوارد في الواقعة الأولى؛ لأن المصلحة واحدة.
فمثلاً قال - صلى الله عليه وسلم -:
" لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان ".