فهنا: منع القاضي من القضاء في حالة الغضب، والعلَّة هي:
اشتغال قلبه عن الفكر، والنظر في أدلة الخصمين، وتغيرَ طبعه عن
السكون والتلبث والاجتهاد، فيقاس على ذلك: كل ما يشغله عن
النظر في الدليل والحكم، وكل ما يغير طبعه مثل: كونه جائعا، أو
حاقنا، أو خائفا.
وهذا كله فيه مصلحة واضحة للخصمين.
والمصلحة المقصودة بهذا القياس تسمى: المصلحة المعتبرة من
الشارع.
القسم الثاني: المصالح الملغاة، وهي المصالح التي شهد الشارع
بردها وإلغائها، وعدم اعتبارها.
فلو نص الشارع على حكم في واقعة لمصلحة استأثر بعلمها،
وبدا لبعض الناس حكم فيها مغاير لحكم الشارع لمصلحة توهمها هذا
البعض، فتخيل أن ربط الحكم بذلك يحقق نفعا، أو يدفع ضرراً،
فإن هذا الحكم مردود على من توهمه؛ لأن هذه المصلحة التي
توهمها قد ألغاها الشارع، ولم يلتفت إليها.
مثال ذلك: أن الملك عبد الرحمن بن الحكم قد جامع جارية في
نهار رمضان، وكرر ذلك في عدد من الأيام، وكان يكرر الإعتاق
- تمشيا مع نص حديث الأعرابي - ولكن جاء الفقيه: يحيى بن
يحى الليثي المالكي، فأفتى بأن عليه صوم ستين يوما كفارة، وعلل
ذلك بأن الكفارة قد وضعت للزجر والردع، فلو أوجبنا على هذا
الملك العتق لسهل عليه الجماع في نهار رمضان مرة بعد أخرى - كما
حصل منه - لذلك نوجب عليه الصيام زجراً له، وظن أن في ذلك
مصلحة.