للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرط الرابع: أن تكون المصلحة المرسلة قطعية، أي: يقطع

بوجودها، ولم يختلف في ذلك.

وهو مذهب كثير من الأصوليين، وهو الحق عندي؛ للأدلة

التالية:

الدليل الأول: الاستقراء والتتبع، بيان ذلك:

أنا لما تتبعنا واستقرأنا النصوص من الكتاب والسُّنَّة، وقرائن

الأحوال، والقواعد الشرعية المجمع عليها وجدنا الأدلة العديدة

المتضافرة على أن الشريعة الإسلامية قد راعت مصالح العباد؛ حيث

إنها قائمة على أساس توفير السعادة لهم.

فالأخذ بالمصالح المرسلة - بالشروط السابقة - هو الذي يتفق مع

روح الشريعة الإسلامية التي جاءت برعاية مصالح العباد، فطلبت

منهم - أو أباحت لهم - كل ما يجلب لهم النفع، وحرمت عليهم

- أو كرهت لهم - كل ما يجلب لهم مفسدة، أو ضرراً.

الدليل الثاني: أنه لو لم نجعل المصلحة المرسلة دليلاً من الأدلة

للزم من ذلك خلو كثير من الحوادث بلا أحكام، وذلك لقلة

الأصول المعتمدة وندرتها، وكثرة الحوادث، فقد يطرأ للأمة اللاحقة

طوارئ لم تطرأ للأُمَّة السابقة، وكذلك قد يؤدي تغير أخلاق الناس

وأحوالهم إلى أن يصير مفسدة ما كان مصلحة، وقد يكون مصلحة

في مجتمع ما هو مفسدة في مجتمع آخر، فلو لم نجعل المصلحة

حُجَّة لضاقت الشريعة عن مصالح الناس، وقصرت عن حاجاتهم،

ولم تصلح لمسايرة مختلف المجتمعات والأزمان والأحوال، وهذا

خلاف القاعدة الشرعية المعروفة، وهي: أن الإسلام صالح لكل

زمان ومكان.