الدليل الثالث: أن من تتبع الفتاوى الصادرة عن الصحابة
واجتهاداتهم علم أنهم كانوا يراعون المصالح، وينظرون إلى المعاني
التي علموا أن القصد من الشريعة رعايتها، دون نكير من أحد فكان
إجماعا.
هذه الأدلة دلَّت على أن المصلحة حُجَّة، فإذا أضفنا إليها تلك
الشروط فإنه يترجح اعتبارها على إلغائها، فيكون الاعتبار مظنونا،
فيجب العمل به؛ لأن العمل بالظن واجب.
المذهب الثاني: أن المصلحة المرسلة حُجَّة مطلقا، وهو مذهب
الإمام مالك.
أدلة هذا المذهب:
هي نفس أدلتتا في المذهب الأول، ولكن بدون إضافة تلك
الشروط.
جوابه:
إنه لا يمكن الأخذ بالمصلحة المرسلة إلا بتلك الشروط التي ذكرناها
في المذهب الأول؛ لأنه بعد الاستقراء والتتبع لفتاوى الصحابة،
ومن جاء بعدهم من علماء الأمَّة وجدناهم يستدلون بالمصلحة، وهم
قد راعوا تلك الشروط والقيود.
وكذلك فإن تلك الأدلة دلَّت على حجية المصلحة المرسلة التي أخذ
بها هؤلاء، حيث إنها منضبطة، ولم تدل على حجية المصلحة
المرسلة مطلقا؛ لأن هذا يؤدي إلى عدم انضباط من أخذ بها، مما
يفتح مجال الأهواء والشهوات، فيقع في الزلل.
المذهب الثالث: أن المصلحة المرسلة ليست بحُجَّة مطلقا.