قلتم هو من المصالح الملغاة؛ حيث إنه قد نص على تلك الحدود،
ولا اجتهاد مع النص، أما لو لم ينص على شيء: فإن المصلحة
تدخله ألا ترى أنه إذا رأى الحاكم أن يعزِّر بالقتل، فإنه يجوز له إذا
رأى المصلحة في ذلك.
الدليل الثالث: أن الحكم الشرعي هو: المستند إلى دليل، أو
أي أصل شرعي كالكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والقياس، ونحو
ذلك، فلو أثبت المجتهد حكما مستنداً إلى مصلحة بدون دليل
شرعي: كان حكما بالعقل المجرد، ووضعا للشرع بالرأي والتشهي،
وهذا ظاهر البطلان.
جوابه:
أنا قلنا بأن المصلحة المرسلة حُجَّة بسبب: أن هناك أدلة قد دلَّت
على ذلك بصراحة، وقد ذكرناها، وتلك الأدلة وهي:
استقراء النصوص الشرعية، واستقراء فتاوى الصحابة وعلماء
الأُمَّة، وكون أننا لو لم نحتج بالمصلحة لخلت كثير من الحوادث بلا
أحكام.
وهذه الأدلة شرعية قد أثبتنا عن طريقها كثيراً من القواعد الأصولية
كحجية القياس، ونجبر الواحد، وصيغ العموم، ونحو ذلك، فلو
كانت تلك الأدلة لا تصلح لإثبات المصلحة والاحتجاج بها للزم أنها
لا تصلح لإثبات أي قاعدة أصولية، وهذا باطل.
ثم إننا قد اشترطنا للعمل بالمصلحة شروطا تبين أن حكمنا
بالمصلحة ليس حكمل بالعقل المجرد، ولا وضعا للشرع بالتشهي
والرأي، بل هو حكم بالشرع، ولا يخرج عن الشرع بأي حال.