بيان نوع الخلاف:
الخلاف في هذه المسألة خلاف معنوي؛ حيث إن أصحاب المذهب
الأول والثاني جعلوا المصلحة المرسلة من أدلتهم المعتبرة إلا أن
أصحاب المذهب الثاني قد توسعوا في الاستدلال بها بخلاف
أصحاب المذهب الأول، فقد ضيقوا فيها على حسب تلك الشروط
والقيود - وهو ما رجحناه.
أما أصحاب المذهب الثالث فلم يجعلوا المصلحة المرسلة من
أدلتهم.
وقد تأثر بذلك بعض الفروع الفقهية.
فمثلاً: استدل المحتجون بها على قتل الجماعة بالواحد؛ حيث
قالوا: إنه لو سقط القصاص بالاشتراك لأدى إلى اتساع القتل به،
فيؤدي إلى إسقاط حكمة الردع والزجر، فاقتضت المصلحة قتلهم به.
أما من لم يأخذ بالمصلحة فلم يرى ذلك، بل قال: لا تقتل
الجمامحة بالواحد مستدلأ بقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) حيث إنها دلَّت على أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من نفس
واحدة.
كذلك استدل بالمصلحة الإمام مالك على أن المرأة البكر لا تغرب
إذا زنت؛ لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة، فإذا غربت بغير
محرم: كان ذلك إغراء لها بالفجور، وتضييع لها، وذلك ينافي
قصد الشارع من وجوب الحد؛ لأنه ما شرع إلا زجراً عن الزنا -.
وإن غربت المرأة بمحرم أدى ذلك إلى عقاب من لم يجرم ومن لا
ذنب له، وإن كلفت أجرته، ففي ذلك زيادة على عقوبتها.