للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّلِيلُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى اخْتِصَاصِهِ بِالنَّسَبِ عَنْهَا كَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَإِنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيهِمَا وَإِنْ اتَّصَفَ الْأَبُ بِضِدِّ مَا الْأُمُّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالِاسْتِقْرَاءِ (وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ) أَيْ وَكَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَمَّا خَلَّفَهُ ثَمَّةَ مِنْ الْأَمْوَالِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا وَإِحْرَازِهِمْ إيَّاهَا مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْفَقِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: ٨] مَعَ وُجُودِهَا بِمَكَّةَ وَانْتِفَاءِ كُلِّ مُزِيلٍ لِمِلْكِهَا مَا عَدَا اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ أَوْ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ لَا مَنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ كَمَا أَنَّ الْغَنِيَّ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ هُوَ مَالِكٌ لِلْمَالِ لَا مَنْ قَرُبَتْ يَدُهُ مِنْهُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْوَالٌ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَابْنُ السَّبِيلِ الْمَالِكُ لِلْمَالِ فِي وَطَنِهِ غَنِيٌّ، وَإِنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْهُ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ.

وَهَذَا لَيْسَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِنَظْمِهَا بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ اسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] بَدَلٌ مِنْ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ حُذِفَ عَاطِفُهُ وَهُوَ الْوَاوُ كَمَا حَكَاهُ فِي التَّيْسِيرِ وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ بَابُهُ الشِّعْرَ فَقَدْ خُرِّجَتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْهَا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} [الغاشية: ٨] كَمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ عَلَى هَذَا أَيْضًا، هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ زَوَالَ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ ثَمَّةَ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ فِي الْآيَةِ (اقْتِضَاءٌ) أَيْ مُقْتَضًى عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّلْوِيحِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِهَذَا الْوَصْفِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اقْتَضَاهُ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِمْ (لِأَنَّ صِحَّةَ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ) عَلَى الْإِنْسَانِ (بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْأَمْوَالِ) الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِمِلْكِهَا الْغِنَى لَهُ فِي وَقْتٍ (مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ مِلْكِهِ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ زَوَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ سَابِقًا عَلَى صِحَّةِ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَقْرُ بِدُونِهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا انْتِفَاءُ جَعْلِهِ إشَارَةً مِنْ قَبِيلِ جُزْءِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ مِلْكِ مَا خَلَّفُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى الْفَقْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُدَّعَى ثُبُوتُهُ إشَارَةً إنَّمَا هُوَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوهُ، وَلَيْسَ هَذَا جُزْءًا مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِمْ لِشَيْءٍ أَصْلًا أَوْ لِأَدْنَى شَيْءٍ بَلْ هُوَ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لِمَا خَلَّفُوهُ وَمَا دُفِعَ بِهِ هَذَا مِنْ أَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا لَيْسَ إلَّا كَوْنُهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا.

وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا جُزْءًا مِنْ كَوْنِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا أَصْلًا، وَأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا عِلَّةً لِكَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غَيْرُهُمْ بَلْ كَوْنُهُمْ فُقَرَاءَ عِلَّةٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِمْ عَمَّا كَانَ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُصَادَرَةِ وَالتَّعَسُّفِ الظَّاهِرِ (وَدَلَالَةُ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِ الْكَلْبِ) أَيْ وَكَدَلَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ وَحُلْوَانَ الْكَاهِنِ مِنْ السُّحْتِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ الْمَنْعَ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَهُ، وَتَصَوُّرُهُ بِانْعِقَادِ بَيْعِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِهِ.

وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَنْعُ مِنْ تَنَاوُلِ الْعِوَضِ الْمَالِيِّ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعِبَارِيُّ لَهُ وَعِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - فِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ إنْ ثَبَتَ بِهَذَا إنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى لَا إشَارَةً لِأَنَّ تَحَقُّقَ الثَّمَنِ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ تَحَقُّقِ بَيْعِهِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَبِيعًا وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ عَنْهُ ثَمَنًا فَهُوَ لَازِمٌ لِلثَّمَنِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اسْتَدْعَى اعْتِبَارُهُ صِحَّةَ إطْلَاقِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ قِيلَ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِهِ صَحِيحًا فَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>