للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْبِرٌ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ (بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ وَعَلِمَ عِلْمَهُمْ بِكَذِبِهِ لَوْ كَذَبَ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ وَلَا حَامِلَ عَلَى السُّكُوتِ) مِنْ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِمْ تَصْدِيقُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ لَا لِشَيْءٍ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ (قَطَعْنَا بِصِدْقِهِ بِالْعَادَةِ) لِأَنَّ مَعَ اخْتِلَافِ أَمْزِجَتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ وَوُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ يَمْتَنِعُ عَادَةً السُّكُوتُ عَنْ تَكْذِيبِهِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فَانْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالْمُخْتَارُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ مِنْ اشْتِرَاطِ تَمَادِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى

[مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ]

(مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ) وَهُوَ أَنْ يُوجِبَ الشَّارِعُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ (جَائِزٌ عَقْلًا خِلَافًا لِشُذُوذِ) وَهْمِ الْجُبَّائِيِّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّعَبُّدَ بِهِ لِوُرُودِ السَّمْعِ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْمَلُوا بِهِ إذَا ظَنَنْتُمْ صِدْقَهُ وَعَرَضْنَاهُ عَلَى عُقُولِنَا عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّهُ (لَا يَسْتَلْزِمُ مُحَالًا) لِذَاتِهِ عَقْلًا (فَكَانَ) التَّعَبُّدُ بِهِ (جَائِزًا) إذْ لَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ غَيْرُ هَذَا وَغَايَةُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي اتِّبَاعِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ كَذِبًا أَوْ خَطَأً فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ بِكَذِبٍ أَوْ خَطَإٍ لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَمْنَعُ التَّعَبُّدَ بِهِ إذْ كَانَ الصِّدْقُ رَاجِحًا وَإِلَّا لَامْتَنَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَقَوْلِ الْمُفْتِي لِلْعَامِّيِّ لِتَحَقُّقِ هَذَا الِاحْتِمَالِ فِيهِمَا لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ

(قَالُوا) التَّعَبُّدُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ فَمُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ (يُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ) أَيْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ فِيمَا إذَا رَوَى وَاحِدٌ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَآخَرُ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا وَعَمِلَ بِهِ (لِجَوَازِ خَطَئِهِ وَ) يُؤَدِّي إلَى (اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ) إنْ تَسَاوَيَا وَعَمِلَ بِهِمَا (فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ) وَهُوَ التَّعَبُّدُ بِهِ (قُلْنَا الْأَوَّلُ) أَيْ تَأْدِيَتُهُ إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ (مُنْتَفٍ عَلَى إصَابَةِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ) إذْ لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ هُمَا تَابِعَانِ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ وَيَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ فَيَكُونُ حَلَالًا لِوَاحِدٍ حَرَامًا لِآخَرَ (وَعَلَى اتِّحَادِهِ) أَيْ كَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا فَقَطْ (إنَّمَا يَلْزَمُ) كَوْنُ التَّعَبُّدِ بِهِ مُؤَدِّيًا إلَى ذَلِكَ (لَوْ قَطَعْنَا بِمُوجِبِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى أَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَكِنَّا) لَا نَقْطَعُ بِهِ بَلْ (نَظُنُّهُ وَهُوَ) أَيْ ظَنُّهُ (مَا) أَيْ الَّذِي (كَلَّفَ) الْمُجْتَهِدَ بِهِ (وَنُجَوِّزُ خِلَافَهُ) أَيْ الْمَظْنُونِ وَنَقُولُ الْحَقُّ مَعَ مَنْ وَقَعَ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمُخَالِفُهُ عَلَى خَطَأٍ لَكِنْ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ سَاقِطٌ عَنْهُ إجْمَاعًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ ظَنِّ نَفْسِهِ (وَنَجْزِمُ) فِي الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا إلَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ (بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمُتَعَارِضَيْنِ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ فَإِنْ ظَنَنَّاهُ) أَحَدَهُمَا (سَقَطَ الْآخَرُ) لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا تَنَاقُضَ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُظَنَّ أَحَدُهُمَا حَتَّى انْتَفَى التَّرْجِيحُ (فَالتَّكْلِيفُ بِالتَّوَقُّفِ) عَنْ الْعَمَلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَظْهَرَ رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا فَيُعْمَلَ بِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَوْ يُتَخَيَّرُ الْمُجْتَهِدُ بِالْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَإِذَا عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا سَقَطَ الْآخَرُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ آخَرِينَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَكِلَاهُمَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ قَوْلَهُمْ التَّعَبُّدُ بِهِ مُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ عَقْلًا كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (لَيْسَ عَقْلِيًّا بَلْ مِمَّا أَخَذَهُ الْعَقْلُ مِنْ الشَّرْعِ فَالْمُطَابِقُ الثَّانِي) وَهُوَ لُزُومُ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَهُوَ تَعْرِيضٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ بِحَاشِيَتِهِ هُنَا فَقَالَ أَيْ الْأَوَّلُ لَمَّا لَمْ يُفِدْ الِامْتِنَاعَ الْعَقْلِيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قُرِّرَ عَلَى إرَادَةِ الِامْتِنَاعِ الْعَقْلِيِّ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ عَقْلًا وَلَيْسَ بَلْ مَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ الْعَقْلِيِّ

أَمَّا الْبَاطِلُ الشَّرْعِيُّ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ بَاطِلٌ شَرْعًا وَالْعَقْلُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ أَخْذًا مِنْ الشَّرْعِ كَمَا إذَا أَخَذَ أَصْلًا غَيْرَهُ فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهُ فِي مَحَالِّ تَحَقُّقِهِ فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ إلْزَامَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ لِيَصِحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى (وَمَا عَنْهُمْ) أَيْ الْمُخَالِفِينَ (مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ جَازَ) التَّعَبُّدُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (جَازَ) التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَقَائِدِ (وَنَقْلِ الْقُرْآنِ وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ بِلَا مُعْجِزٍ) لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ ظَنُّ الصِّدْقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْمَلْزُومُ (سَاقِطٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ فَنَمْنَعُ بُطْلَانَ التَّالِي) فَنَقُولُ بَلْ يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ فِيهَا أَيْضًا عَقْلًا (غَيْرَ أَنَّ التَّكْلِيفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>