للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْمُخَالِفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ لَدُنْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهَلُمَّ عَصْرًا تِلْوَ عَصْرٍ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ وَأَنَّهُمْ فِي النَّارِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مُجْتَهِدٍ وَمُعَانِدٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ كُفْرَهُمْ لَيْسَ بَعْدَ ظُهُورِ حَقِّيَّةِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ) جَمِيعِهِمْ بَلْ لِبَعْضِهِمْ.

وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ لَمَا سَاغَ قِتَالُهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ هَذَا إنْ كَانَ خِلَافَ الْمُخَالِفِ فِيمَنْ خَالَفَ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً وَكَيْفَ لَا، وَالْمُخَالِفُ حِينَئِذٍ خَارِجٌ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ قَبْلَهَا مُسْلِمًا فَالْإِجْمَاعُ قَائِمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى قِتَالِهِمْ (لَا يَجْرِي) دَلِيلًا عَلَى تَأْثِيمِ الْمُجْتَهِدِ مِنْهُمْ (عَلَى) قَوَاعِدِ (الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ وُجُوبَهُ) أَيْ قِتَالِهِمْ (لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا لَا لِكُفْرِهِمْ، وَإِنَّمَا لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي التَّأْثِيمِ (الْقَطْعُ بِالْعُمُومَاتِ) الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ (مِثْلُ: وَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ، وَمِنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) وَهَذَا الْقَطْعُ (إمَّا مِنْ الصِّيغَةِ) الْمَوْضُوعَةِ لِلْعُمُومِ مِثْلُ الْكَافِرِينَ، وَالْخَاسِرِينَ (أَوْ) مِنْ (الْإِجْمَاعَاتِ) الْكَائِنَةِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ (عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ) فِي كُفْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ خِلَافُ الْمُخَالِفِ مَخْصُوصًا بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْأُصُولِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِنَفْيِ التَّأْثِيمِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ فِي نَفْيِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَيْسَ مُسْلِمًا (تَكْلِيفُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (بِنَقِيضِ مُجْتَهِدِهِمْ) تَكْلِيفٌ (بِمَا لَا يُطَاقُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ (كَيْفٌ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ هُوَ إدْرَاكُ أَنَّ كَذَا وَاقِعٌ، أَوْ لَيْسَ بِوَاقِعٍ (لَا فِعْلٌ) اخْتِيَارِيٌّ لِلنَّفْسِ لِيَكُونَ مُكَلَّفًا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهِ كَذَا بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ إلَيْهِ بَعْدَ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَهُوَ النَّظَرُ فَلَيْسَ مَقْدُورًا لَهُ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ (فَالْمُكَلَّفُ بِهِ اجْتِهَادُهُ، وَقَدْ فَعَلَ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ فِعْلِهِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا كُلِّفَ بِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ (إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْإِيمَانِ (أَدِلَّةً قَطْعِيَّةً ظَاهِرَةً لَوْ وَقَعَ النَّظَرُ فِي مَوَادِّهَا لَزِمَهَا) أَيْ الْأَدِلَّةَ الْقَطْعِيَّةَ الْمَطْلُوبُ (قَطْعًا، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ) الْمَطْلُوبُ عِنْدَ مُكَلَّفٍ (عُلِمَ أَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ (لِعَدَمِ الشُّرُوطِ) فِي النَّظَرِ (بِالتَّقْصِيرِ) أَيْ بِوَاسِطَتِهِ (مَثَلًا مَنْ بَلَغَهُ بِأَقْصَى فَارِسَ ظُهُورُ مُدَّعِي نُبُوَّةٍ ادَّعَى نَسْخَ شَرِيعَتِكُمْ لَزِمَهُ السَّفَرُ إلَى مَحِلِّ ظُهُورِ دَعْوَتِهِ لِيَنْظُرَ أَتَوَاتَرَ وُجُودُهُ وَدَعْوَاهُ ثُمَّ أَتَوَاتَرَ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِنُبُوَّتِهِ، فَإِذَا اجْتَهَدَ جَامِعًا لِلشُّرُوطِ قَطَعْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمُجْتَهِدَ (يَلْزَمُهُ) أَيْ اجْتِهَادُهُ (عِلْمُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمُدَّعِي (لِفَرْضِ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي مَكَانِهِ فَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ لَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ اجْتِهَادَهُ (فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ) أَيْ ظُهُورِ دَعْوَتِهِ.

(وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كُلِّفَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ) عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الِاعْتِقَادَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِكَوْنِهِ مِنْ الصِّفَاتِ، وَالْكِيفَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَالْمَقْدُورُ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْفِعْلِ التَّأْثِيرُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنْ غَيْرَهُ لَيْسَ مَقْدُورًا إذْ الْعِلْمُ الْكَسْبِيُّ مَقْدُورٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ تَأْثِيرًا بَلْ مِنْ الصِّفَاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ عَقِيبَ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ وَيَكُونُ أَثَرًا لَهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ مُؤَثِّرَةٌ فَالِاعْتِقَادُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْعِلْمُ الْكَسْبِيُّ يَتَوَلَّدُ مِنْ النَّظَرِ وَعَرَّفُوا التَّوْلِيدَ بِأَنْ يُوجِبَ فِعْلُهُ فِعْلًا آخَرَ لِفَاعِلِهِ كَيْفَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِقَادُ مَقْدُورًا لَامْتَنَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حُجَّتِهِمْ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ (بِمَنْعِ كَوْنِ نَقِيضِ اعْتِقَادِهِمْ غَيْرَ مَقْدُورٍ) لَهُمْ (إذْ ذَاكَ) أَيْ غَيْرُ الْمَقْدُورِ لَهُمْ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ هُوَ (الْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالطَّيَرَانِ وَحَمْلِ الْجَبَلِ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الِامْتِنَاعِ) لِتَكْلِيفِهِمْ بِنَقِيضِ مُجْتَهِدِهِمْ هُوَ امْتِنَاعٌ بِالْغَيْرِ أَيْ (بِشَرْطِ وَصْفِ الْمَوْضُوعِ هَكَذَا مُعْتَقَدُ ذَلِكَ الْكُفْرِ يَمْتَنِعُ اعْتِقَادُ غَيْرِهِ) أَيْ الْكُفْرِ (مَا دَامَ) الْكُفْرُ (مُعْتَقَدَهُ، وَالْمُكَلَّفُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ) أَيْ الْإِسْلَامُ (مَقْدُورٌ) لَهُ وَمُعْتَادٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا وَخَبَرُ الْجَوَابِ (لَا يُزِيلُ الشَّغْبَ) غَيْرُ أَنَّ الْأَوْلَى إثْبَاتُ الْفَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ أَمَّا، وَإِنَّمَا لَا يُزِيلُهُ (إذْ يُقَالُ التَّكْلِيفُ بِالِاجْتِهَادِ لِاسْتِعْلَامِ ذَلِكَ) أَيْ الْإِيمَانِ (فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ) الِاجْتِهَادُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذَلِكَ (لَوْ لَزِمَ) ذَلِكَ (كَانَ) التَّكْلِيفُ بِالِاجْتِهَادِ لِاسْتِعْلَامِ ذَلِكَ تَكْلِيفًا (بِمَا لَا يُطَاقُ)

[مَسْأَلَةُ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ]

(مَسْأَلَةُ الْجُبَّائِيِّ) وَابْنِهِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>