جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (لِتَضَمُّنِ السَّمْعِيِّ) السَّابِقِ فِي بَيَانِ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (عَدَمَ خُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ الْأُمَّةِ) مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] فَيَدْخُلُ تَحْتَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً (وَقِيلَ لَا) يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً (لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْهُ الْخَطَأُ الِاجْتِمَاعُ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَسَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ) حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ الْإِجْمَاعَ
(وَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (مُنْتَفٍ) فِي الْوَاحِدِ إذْ لَيْسَ لَهُ اجْتِمَاعٌ وَلَيْسَ هُوَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَنَصَّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَالسُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَإِطْلَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ مَجَازٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ حَقِيقَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَجَازِ فِي حَقِّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَعْظِيمِهِ ارْتِكَابَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُقْتَدَى فَهِيَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالرِّحْلَةِ وَالنُّخْبَةِ، مِنْ أَمَّهُ إذَا قَصَدَهُ وَاقْتَدَى بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأُمُّونَهُ لِلِاسْتِفَادَةِ وَيَقْتَدُونَ بِسِيرَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: ١٢٤] وَكُنْت عَرَضْت عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ لَهُ آخِرًا مَعَ عَدَمِ تَعَقُّبِهِ فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ مَعَ دَلَائِلِهَا مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى اخْتِيَارِ أَحَدِهَا وَلَا تَعَقُّبِ دَلِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ هُوَ الْآخَرُ وَفِي حِكَايَتِهَا بِلَا دَلِيلٍ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ غَيْرَهُ الْمُخْتَارُ.
[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ]
(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يُشْتَرَطُ (فِي حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (مَعَ الْأَكْثَرِ) أَيْ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَالْأَوْضَحُ وَلَا فِي حُجِّيَّتِهِ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ (عَدَدُهُ) أَيْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ (فِي الْأَقَلِّ) الَّذِينَ لَمْ يُوَافِقُوا الْمُجْتَهِدِينَ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ يَبْلُغُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ (فَلَا) يَكُونُ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ حُجَّةً أَصْلًا أَيْ لَا يُفَصَّلُ هَذَا التَّفْصِيلُ مِنْ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مَنَعَ خِلَافُهُمْ انْعِقَادَ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ لَمْ يَمْنَعْ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ (وَمُطْلَقًا) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ كَوْنُ الْأَقَلِّ عَدَدًا مَخْصُوصًا كَعَدَدِ التَّوَاتُرِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا كَمَا عَزَاهُ فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ (لِابْنِ جَرِيرٍ) وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ (وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ) أَيْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْحَنَّاطِ أُسْتَاذِ الْكَعْبِيِّ كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ (وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ) أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ
(وَقَالَ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّازِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ أَيْضًا (أَنْ سَوَّغَ الْأَكْثَرُ اجْتِهَادَ الْأَقَلِّ كَخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ) أَيْ فِي قِتَالِهِمْ (فَلَا) يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ (بِخِلَافِ) مَنْ لَمْ يُسَوِّغْ الْأَكْثَرُ اجْتِهَادَهُ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ وَلَكِنْ يَكُونُ حُجَّةً ظَنِّيَّةً كَخِلَافِ (أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ (فِي نَقْضِ النَّوْمِ) حَيْثُ لَا يَنْقُضُ كَمَا أَخْرَجَ مَعْنَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَنَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا وَصَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قُلْت وَلَفْظُ السَّرَخْسِيِّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فَإِنْ سَوَّغُوا لَهُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ خِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلصَّحَابَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِلِّ التَّفَاضُلِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ هَذَا الِاجْتِهَادَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ فَكَانَ الْإِجْمَاعُ ثَابِتًا بِدُونِ قَوْلِهِ.
وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ اهـ فَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ مَوْضُوعَةً فِي خِلَافِ الْوَاحِدِ لَا غَيْرُ وَاَلَّذِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ مَنْ يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُ فَقَائِلُونَ جَمَاعَةٌ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُمْ مُشْتَمِلًا عَلَى صِدْقِ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ خَالَفَهُمْ الْعَدَدُ الْقَلِيلُ الَّذِي يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمْ أَنْ يُظْهِرُوا خِلَافَ مَا يَعْتَقِدُونَ وَلَا يُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَهُمْ فِيمَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ مُشْتَمِلٌ عَلَى صِدْقٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute