للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَوْضَحْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ (وَأَيْضًا الرَّحْمَنُ لِمَنْ لَهُ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَلَمْ يُطْلَقْ) إطْلَاقًا (صَحِيحًا إلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى) وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْوَصْفِ بِهَا (فَلَزِمَ) كَوْنُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (مَجَازًا بِلَا حَقِيقَةٍ)

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ صِفَاتٌ لَا أَعْلَامٌ أَمَّا إنْ جَعَلْنَاهَا أَعْلَامًا فَالْعَلَمُ لَا حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ اهـ قُلْت وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَأَنَّ التَّحْقِيقَ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَكَوْنُ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى اللَّهِ مَجَازًا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ الْأَعْلَامِ عَلَيْهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَعْنَى الرَّحْمَةِ فِي الْأَصْلِ رِقَّةُ الْقَلْبِ ظَاهِرٌ (بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ بَنِي حَنِيفَةَ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ (رَحْمَنُ الْيَمَامَةِ) وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ

وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا

فَإِنَّهُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ إطْلَاقًا صَحِيحًا بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ وَلِمُخَالَفَتِهِ اللُّغَةَ أَوْقَعَهُمْ فِيهَا لَجَاجُهُمْ فِي الْكُفْرِ وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهِ) أَيْ بِلَفْظِ رَحْمَنٍ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى مُسَيْلِمَةَ الْمَعْنَى (الْحَقِيقِيَّ مِنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ) بَلْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْإِلَهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَثْبَتُوا لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَهِيَ النُّبُوَّةُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: جَوَابُهُ عِنْدِي أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الرَّحْمَنَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوهُ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ فِي رَحْمَنِ الْيَمَامَةِ وَمُنَكَّرًا فِي لَا زِلْت رَحْمَانَا وَدَعْوَانَا إنَّمَا هِيَ فِي الْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ (قَالُوا) أَيْ الْمُلْزِمُونَ (لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ) الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ (انْتَفَتْ فَائِدَةُ الْوَضْعِ) لِأَنَّ فَائِدَتَهُ إفَادَةُ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ فَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَمْ يَقَعْ فِي التَّرْكِيبِ فَتَنْتَفِي فَائِدَتُهُ (وَلَيْسَ) هَذَا (بِشَيْءٍ) تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ (لِأَنَّ التَّجَوُّزَ) بِاللَّفْظِ (فَائِدَةٌ لَا تَسْتَدْعِي غَيْرَ الْوَضْعِ) لَهُ لِمَعْنًى غَيْرِ الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ فَلَا يَسْتَدْعِي لُزُومَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ فَلَا يَسْتَدْعِي الْحَقِيقَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ وُقُوع الْمَجَازُ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ]

(مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ خِلَافًا للإسفراييني فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي اللُّغَةِ وَحَكَى السُّبْكِيُّ النَّفْيَ لِوُقُوعِهِ مُطْلَقًا عَنْهُ وَعَنْ الْفَارِسِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ عَنْهُ وَعَنْ جَمَاعَةٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (قَدْ يُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِغَرَضِ الْوَضْعِ) وَهُوَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ (لِخَفَاءِ الْقَرِينَةِ) الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَيَقْضِي بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِتَبَادُرِهِ وَعَدَمِ ظُهُورِ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُهُ فِي وُقُوعِهِ (بَعِيدٌ عَلَى بَعْضِ الْمُمَيِّزِينَ فَضْلًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ (لِأَنَّ الْقَطْعَ بِهِ) أَيْ بِوُقُوعِهِ (أَثْبَتُ مِنْ أَنْ يُورَدَ لَهُ مِثَالٌ) لِكَثْرَتِهِ فِي اللُّغَةِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (نَفْيُ الْإِجْمَالِ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُخِلٌّ بِفَهْمِ عَيْنِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: الْأُسْتَاذُ لَا يُنْكِرُ اسْتِعْمَالَ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ وَأَمْثَالَهُ بَلْ يَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ الْقَرِينَةَ وَيُسَمِّيهِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَيُنْكِرُ تَسْمِيَتَهُ مَجَازًا وَانْظُرْ كَيْفَ عَلَّلَ بِاخْتِلَالِ الْفَهْمِ وَمَعَ الْقَرِينَةِ لَا اخْتِلَالَ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إِلْكِيَا (وَلِلظَّاهِرِيَّةِ فِي الثَّانِي) أَيْ الْقُرْآنِ وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَهُوَ الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُطْبِقِينَ عَلَى إنْكَارِ وُقُوعِهِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ الظَّاهِرِيُّ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَابْنُ الْقَاصِّ مِنْ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِإِنْكَارِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ دَاوُد وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازُ الِاسْتِعَارَةِ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مَجَازٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ فِي كِتَابٍ وَسُنَّةٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (كَذِبٌ لِصِدْقِ نَقِيضِهِ) أَيْ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ يَنْفِي فَيَصِحُّ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّجُلِ الْبَلِيدِ حِمَارٌ لَيْسَ الرَّجُلُ الْبَلِيدُ حِمَارًا وَكُلُّ مَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَهُوَ كَذِبٌ فَالْمَجَازُ كَذِبٌ (فَيَصْدُقَانِ) أَيْ النَّقِيضَانِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْكَذِبُ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ فِي حَقِّ رَسُولِهِ وَصِدْقُ النَّقِيضِينَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا قَطْعًا

(قُلْنَا جِهَةُ الصِّدْقِ مُخْتَلِفَةٌ) فَمُتَعَلِّقُ الْإِثْبَاتِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَمُتَعَلِّقُ النَّفْيِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ فَلَا كَذِبَ وَلَا صِدْقَ لِلنَّقِيضَيْنِ إنَّمَا ذَلِكَ لَوْ اتَّحِدْ مُتَعَلِّقُهُمَا (وَتَحْقِيقُ صِدْقِ الْمَجَازِ صِدْقُ التَّشْبِيهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعَلَاقَةِ) لِلْمَجَازِ بِحَسَبِ مَوَاقِعِهِ وَتَنَوُّعِ عِلَاقَتِهِ فَصَدَقَ الْمَجَازُ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ أَسَدٌ بِصِدْقِ كَوْنِهِ شَبِيهًا بِهِ فِي الشَّجَاعَةِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِين كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (هُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (أَبْلَغُ) مِنْ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ مِنْ بَحْثٍ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةٍ إذَا لَزِمَ مُشْتَرَكًا إلَخْ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ (يَلْزَمُ) عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْمَجَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>