للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لَا يُوجِبُهُ) أَيْ مَفْعُولُ كُلٍّ (عَيْنًا عَلَى فَاعِلِهِ بَلْ) يُوجِبُ (مَا يَسْقُطُ) بِهِ الْوُجُوبُ مِنْ مَفْعُولِ كُلٍّ مِنْ الْأُمُورِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا إذْ كَانَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْوَاحِدِ الدَّائِرِ بَيْنَهَا الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَفْعُولِ (وَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْوَاجِبِ وَالْمُخَيَّرِ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ) الْوَاحِدَ (الْمُبْهَمُ) مِنْهَا (لَا عَلَى مَعْنًى بِشَرْطِ الْإِبْهَامِ) فِيهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ (لَا يُعَيِّنُهُ الْمُوجِبُ) وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ مَفْهُومٌ الْوَاحِدِ الدَّائِرِ بَيْنَ الْمُعَيَّنَاتِ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ فَالْوُجُوبُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمُعَيَّنٍ، وَالتَّخْيِيرُ لَمْ يَقَعْ فِي مُبْهَمٍ وَإِلَّا لَجَازَ تَرْكُهُ وَهُوَ بِتَرْكِ الْكُلِّ وَهُوَ بَاطِلٌ.

(فَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ (سَقَطَ) الْوُجُوبُ (بِالْمُعَيَّنِ) مِنْهَا (لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ الْمُعَيِّنِ (مَفْهُومَ الْوَاحِدِ) الْمُبْهَمِ (تَتِمَّةٌ) ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إذَا كَانَ فِي الْكُلِّ مَا هُوَ أَعْلَى ثَوَابًا وَعِقَابًا وَمَا هُوَ أَدْنَى كَذَلِكَ فَفَعَلَ الْمُكَلَّفُ الْكُلَّ فَقِيلَ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لَا يَنْقُضُهُ، وَإِنْ تَرَكَ الْكُلَّ وَعُوقِبَ عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا عِقَابًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ، وَإِنْ تَسَاوَى الْكُلُّ فَثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبَةً وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ الْوَاجِبُ ثَوَابًا أَوَّلُهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ الَّذِي يَقَعُ نَظَرًا إلَى تَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى مُسَمًّى أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْخُصُوصِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا حَتَّى إنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِي الْمُرَتَّبِ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ]

(مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ) وَهُوَ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ فَتَنَاوَلَ مَا هُوَ دِينِيٌّ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدُنْيَوِيٌّ كَالصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَخَرَجَ الْمَسْنُونُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٌ أَيْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَاجِبٌ (عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ) الْوُجُوبُ عَنْهُمْ (بِفِعْلِ الْبَعْضِ) هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكُلِّ الْكُلُّ الْإِفْرَادِيُّ وَقِيلَ الْمَجْمُوعِيُّ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَكَانَ إسْقَاطُهُ عَنْ الْبَاقِينَ رَفْعًا لِلطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِيجَابِ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرْضِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ كَوْنِ سُقُوطِ الطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ هُنَا.

فَيَكُونُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لِانْتِفَاءِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَرَاخِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ، ثُمَّ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ فَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَجَبَ أَيْ عَلَى كُلٍّ ثَمَّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ ظَنَّتْ طَائِفَةٌ قِيَامَ غَيْرِهَا بِهِ وَظَنَّتْ أُخْرَى عَكْسَهُ سَقَطَ عَنْ الْأُولَى وَوَجَبَ عَلَى الثَّانِيَةِ (وَقِيلَ) وَاجِبٌ (عَلَى الْبَعْضِ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، ثُمَّ الْمُخْتَارُ عَلَى هَذَا أَيُّ بَعْضٍ كَانَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ مَنْ قَامَ بِهِ لِسُقُوطِهِ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ دُونَ النَّاسِ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ (لَنَا أَثِمَ الْكُلُّ بِتَرْكِهِ) اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَثِمُوا (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ أَوَّلًا (سَقَطَ) الْوُجُوبُ (بِفِعْلِ الْبَعْضِ) وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكُلِّ لَمَا سَقَطَ إذْ مِنْ الْمُسْتَبْعَدِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.

(قُلْنَا) لَا اسْتِبْعَادَ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُوبُ الْفِعْلِ لَا ابْتِلَاءُ كُلِّ مُكَلَّفٍ) كَمَا فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ (كَسُقُوطِ مَا عَلَى زَيْدٍ) مِنْ الدَّيْنِ الضَّامِنِ عَمْرٌو إيَّاهُ عَنْهُ (بِفِعْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>