إطْلَاقِ لَفْظِ الْكَلَامِ عَلَى كَلِمَاتٍ مُجْتَمَعَةٍ غَيْرِ مُنْتَظِمَةِ الْمَعَانِي كَزَيْدٍ بَلْ فِي فَقِيلَ يُسَمَّى كَلَامًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ كَلِمَاتِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى وَيُسَمَّى كَلَامًا عِنْدَهُمْ فَالْمَجْمُوعُ أَوْلَى، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا ذَكَرَهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّجَهُ.
وَفِي الصِّحَاحِ الْكَلَامُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَهَذِهِ النُّقُولُ تُفِيدُ إطْلَاقَ الْكَلَامِ عَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ عَلَى الْكَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِذَنْ الْكَلَامُ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنْ لَا يُطْلَقُ الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ الَّذِي عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِثْلَ ق وع إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا، وَفِيهِ بُعْدٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لَكِنْ لَا مَعَ قَصْرِ النَّظَرِ عَلَيْهِ بَلْ مَعَ مُلَاحَظَةِ كَلِمَةٍ أُخْرَى مُقَدَّرَةٍ فِيهِ، وَهُوَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَكَثِيرًا مَا يُعْطَى لِلْمُقَدَّرِ حُكْمُ الْمَلْفُوظِ ثُمَّ لَا يَضُرُّ فِي أَعَمِّيَّتِهِ إطْلَاقُ الْجُمْلَةِ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَيْضًا ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْكَلَامَ بِاصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ أَعَمُّ مِنْهُ بِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْبَدِيعِ، وَأَهْلِ اللُّغَةِ الْمُرَكَّبُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ مُرَادُهُ بِهِمْ النَّحْوِيُّونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ نَعَمْ إنْ سَلِمَ قَوْلُ ابْنِ عُصْفُورٍ الْكَلَامُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ الْجَمَلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُفِيدَةً أَوْ غَيْرَ مُفِيدَةٍ عَكَّرَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْكَلَامَ وَالْجُمْلَةَ مُتَسَاوِيَانِ لَكِنْ لَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ أَثْبَتُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَأَخَصُّ) مِنْهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا (عِنْدَ آخَرِينَ) مِنْهُمْ ابْنُ مَالِكٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ الإستراباذي وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُ الِاصْطِلَاحُ الْمَشْهُورُ فَقَالُوا الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادَ الْأَصْلِيَّ وَكَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَالْجُمْلَةُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ أَوْ لَا فَالْمَصْدَرُ وَالصِّفَاتُ الْمُسْنَدَةُ إلَى فَاعِلِهَا لَيْسَتْ كَلَامًا وَلَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ أَصْلِيًّا، وَالْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ خَبَرًا أَوْ وَصْفًا أَوْ حَالًا أَوْ شَرْطًا أَوْ صِلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَيْسَتْ بِكَلَامٍ؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهُ إذْ شَرْطُهُ الْإِفَادَةُ بِخِلَافِهَا وَلِهَذَا تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ جُمْلَةُ الشَّرْطِ جُمْلَةُ الصِّلَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مُفِيدًا فَلَيْسَ كَلَامًا اهـ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى يُفِيدُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِخُصُوصِ الْكَلَامِ اشْتِرَاطُ الْإِفَادَةِ فِيهِ دُونَ الْجُمْلَةِ لَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ فِيهِ دُونَهَا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ، وَقَدْ صَرَّحَ سِيبَوَيْهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى الْجُمَلِ الْمُفِيدَةِ اهـ. فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِي الْكَلَامِ اشْتِرَاطُهَا فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَالَةَ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْإِفَادَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْجُمْلَةِ أَصْلًا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُقَالُ: حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَّا عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ، وَقَوْلُهُمْ جُمْلَةُ الشَّرْطِ وَالصِّلَةِ وَنَحْوُهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِيهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ. وَنَظِيرُهُ تَسْمِيَتُهُمْ الْمُضَارَعَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ لَمْ الْمُقْتَضِيَةُ قَلْبَهُ مَاضِيًا مُضَارَعًا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ اصْطِلَاحًا هُوَ الصَّوَابُ لَاحْتَاجُوا إلَى الْجَوَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
[أَقِسَام اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ]
وَقَدْ آنَ الشُّرُوعُ فِي بَيَانِ انْقِسَامَاتِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْسَامِهِ خَاصًّا بِهِ كَمَا عَسَى أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ فَنَقُولُ: (وَلِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَدَلَالَتِهِ، وَمُقَايَسَتِهِ لِمُفْرَدٍ آخَرَ وَمَدْلُولِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ انْقِسَامَاتٌ) خَمْسَةٌ بِعِدَّةِ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي أَوَّلُهَا اعْتِبَارُ الذَّاتِ، وَآخِرُهَا اعْتِبَارُ الِاسْتِعْمَالِ (فِي فُصُولٍ) خَمْسَةٍ بِعِدَّتِهَا أَيْضًا، وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِ بَعْضِ أَقْسَامِ انْقِسَامِهِ بِالِاعْتِبَارِ الرَّابِعِ كَمَا سَتَرَى فَالْوَجْهُ إسْقَاطُهُمَا هُنَا. (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ غَيْرِهِ أَوَّلًا وَجَمِيعُ مَا تَضْمَنَّهُ هَذَا الْفَصْلُ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَمَّا هُمْ فَاكْتَفَوْا بِالْإِشَارَةِ إلَى مَا يَهُمُّهُمْ مِنْهُ فِيمَا يَكُونُونَ بِصَدَدِهِ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمُشْتَقُّ لَا يُعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute