للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ يَكُونُ حُجَّةً وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَا أَقُولُ إنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَكِنْ أَقُولُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا تَحَرُّزًا عَنْ احْتِمَالِ الْخِلَافِ احْتِيَاطًا انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّ كَوْنَ الْمَسْأَلَةِ تَكْلِيفِيَّةً مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقَائِلِ: الْمُجْتَهِدُ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ.

سَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ لِيَخْرُجَ إفْتَاءُ مُقَلِّدٍ سَكَتَ عَنْهُ الْمُخَالِفُونَ لِلْعِلْمِ بِمَذْهَبِهِمْ وَمَذْهَبُهُ كَشَافِعِيٍّ يُفْتِي بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلْعِلْمِ بِاسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ وَالْخِلَافِ، وَفَائِدَتُهُ أَنْ لَا يَكُونَ السُّكُوتُ تَقِيَّةً كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيِّ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَوَقَعَ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَيْدًا اتِّفَاقِيًّا وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ التَّسْوِيَةُ هِيَ الْوَجْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ]

(تَنْبِيهٌ) وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ أَنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَأَمَّا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى عَمَلٍ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ قَوْلٌ فَفِيهِ مَذَاهِبُ:

أَحَدُهَا وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَفِي الْمَنْخُولِ أَنَّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ كَفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ لِإِجْمَاعِهِمْ كَثُبُوتِهَا لَهُ.

ثَانِيهَا الْمَنْعُ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي وَتَعَقَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الَّذِي رَآهُ فِي التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي التَّصْرِيحُ بِالْجَوَازِ فَقَالَ كُلُّ مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ يَقَعُ بِوَجْهَيْنِ إمَّا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ انْتَهَى.

ثَالِثُهَا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ.

رَابِعُهَا قَوْلُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ كُلُّ فِعْلٍ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَفْعَالِ الرَّسُولِ مَخْرَجَ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الشَّرْعُ، وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَجِيءِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَصْرُ أَوْ لَا وَمِنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْقَوْلِيِّ فَهُنَا أَوْلَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ اشْتِرَاطَهُ خِلَافُ التَّحْقِيقِ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ]

(مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ) فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ (لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ) قَوْلٍ (ثَالِثٍ) فِيهَا (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَتِهِ (وَخَصَّهُ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ إحْدَاثِ ثَالِثٍ (بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِالصَّحَابَةِ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهَا مِنْهُمْ فَلَمْ يُجَوِّزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثَ ثَالِثٍ فِيهَا (وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ) وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالرَّازِيِّ فِي غَيْرِ الْمَعَالِمِ وَأَتْبَاعِهِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ وَلَا يَجُوزُ (إنْ رَفَعَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَرَدِّ الْمُشْتَرَاةِ بِكْرًا بَعْدَ الْوَطْءِ لِعَيْبٍ قَبْلَ الْوَطْءِ) كَانَ بِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ (قِيلَ لَا) يَرُدُّهَا (وَقِيلَ) يَرُدُّهَا (مَعَ الْأَرْشِ) أَيْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ (لَا يُقَالُ) يَرُدُّهَا (مَجَّانًا) أَيْ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ رَافِعٌ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالثَّانِي عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَّهُمَا قَالَا يَرُدُّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَسْلَمُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا فَمَنْ قَالَ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا فَقَدْ خَالَفَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً عَلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الْمِثَالِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ.

وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَصَحَّتْ عَنْهُمْ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ: الْأَوَّلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالثَّانِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَالثَّالِثُ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ مِنْ أَقْرَانِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ انْتَهَى وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ شُرَيْحًا وَالنَّخَعِيَّ كَانَا يَقُولَانِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَقَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>