النَّافُونَ لِلْعَمَلِ بِهِ ( «قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ أَتَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبنَا فَلَمْ نَجِدْ الْمَاءَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْت وَصَلَّيْت فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا يَكْفِيك ضَرْبَتَانِ» فَلَمْ يَقْبَلْهُ عُمَرُ) كَمَا مَعْنَى هَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَأَمَّا لَفْظُهُ بِتَمَامِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهُ (إذْ كَانَ نَاسِيًا لَهُ) إذْ لَا يُظَنُّ بِعَمَّارٍ الْكَذِبُ وَلَا بِعُمَرَ عَدَمُ الْقَبُولُ مَعَ الذِّكْرِ لَهُ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ فِي السُّنَنِ فَقَالَ يَا عَمَّارُ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ شِئْت وَاَللَّهِ لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَدًا فَقَالَ كَلًّا وَاَللَّهِ لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْت (وَرُدَّ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَأْثُورَ عَنْ عَمَّارٍ وَعُمَرَ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ عَمَّارًا لَمْ يَرْوِ عَنْ عُمَرَ) ذَلِكَ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَرُدَّ) هَذَا الرَّدُّ (بِأَنَّ عَدَمَ تَذَكُّرِ غَيْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ الْحَادِثَةُ الْمُشْتَرَكَةُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاوِي لَهَا (إذَا مُنِعَ قَبُولُ) حُكْمِ (الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا) لِلشَّكِّ فِيهِ حِينَئِذٍ (فَنِسْيَانُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ أَصْلَ رِوَايَتِهِ لَهُ أَوْلَى) أَنْ يَمْنَعَ قَبُولَ حُكْمِهِ مِنْ ذَلِكَ (فَالْوَجْهُ رَدُّهُ) أَيْ عُمَرَ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الرَّاوِي) وَهُوَ عَمَّارٌ مَا يَلْزَمُ النَّاسَ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِهِ (لِدَلِيلِ الْقَبُولِ) أَيْ لِقِيَامِ دَلِيلِ قَبُولِهِ فِي حَقِّهِ حَيْثُ جَزَمَ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِمَنْ هُوَ بِمِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَدْ يُقَالُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إذَا قُبِلَ أَنْ يَجِبَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ السُّنَنِ
(وَأَمَّا) قَوْلُ النَّافِينَ لِلْعَمَلِ بِهِ (لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ الْأَصْلُ الْفَرْعَ (فَلَا يُعْمَلُ بِهِ كَشَاهِدِ الْفَرْعِ عِنْدَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ) بِجَامِعِ الْفَرْعِيَّةِ وَالنِّسْيَانِ (فَيُدْفَعُ بِأَنَّهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (أَضْيَقُ) مِنْ الرِّوَايَةِ لِاخْتِصَاصِ الشَّهَادَةِ بِشَرَائِطَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَجْبُولِينَ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّنَةِ وَتَوَفَّرَ الْكَذِبُ فِيهَا بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ، وَأَوْرَدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالرِّوَايَةِ حُكْمٌ كُلِّيٌّ يَعُمُّ الْمُكَلَّفِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالشَّهَادَةُ قَضِيَّةٌ جُزْئِيَّةٌ وَأُجِيبَ بِالتَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ أَجْدَرَ بِالِاحْتِيَاطِ (وَمُتَوَقِّفَةً عَلَى تَحْمِيلِ الْأَصْلِ) الْفَرْعَ لَهَا فَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (بِإِنْكَارِهِ) أَيْ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ (بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ) فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّمَاعِ دُونَ التَّحْمِيلِ فَلَا يَكُونُ إنْكَارُ الْأَصْلِ مُسْتَلْزِمًا لِفَوَاتِ الرِّوَايَةِ لِجَوَازِ السَّمَاعِ مَعَ نِسْيَانِهِ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عِنْدَ مَنْ شَرَطَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ تَحْمِيلَ الْأَصْلِ لَهَا كَالْحَنَفِيَّةِ أَمَّا مَنْ لَمْ يَشْرِطْهُ كَالشَّافِعِيَّةِ فَلَا وَفِي الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ عَدَمُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالرِّوَايَةِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لِلْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ انْفَرَدَ الثِّقَةُ مِنْ بَيْنِ ثِقَاتٍ رَوَوْا حَدِيثًا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ]
(مَسْأَلَةٌ إذَا انْفَرَدَ الثِّقَةُ) مِنْ بَيْنِ ثِقَاتٍ رَوَوْا حَدِيثًا (بِزِيَادَةٍ) عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ (وَعَلِمَ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ) لِسَمَاعِهِ وَسَمَاعِهِمْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ (وَمَنْ مَعَهُ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا) أَيْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ (عَادَةً لَمْ تُقْبَلْ) تِلْكَ الزِّيَادَةُ (لِأَنَّ غَلَطَهُ) أَيْ الْمُنْفَرِدِ بِهَا (وَهْمٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مَنْ مَعَهُ (كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً (أَظْهَرَ الظَّاهِرِينَ) مِنْ غَلَطِهِ وَغَلَطِهِمْ لِأَنَّ احْتِمَالَ تَطَرُّقِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ احْتِمَالِ تَطَرُّقِهِ إلَيْهِمْ وَهُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُمْ يَغْفُلُ عَنْ مِثْلِهَا (فَالْجُمْهُورُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ تُقْبَلُ) وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ لَا تُقْبَلُ (لَنَا) أَنَّ رَاوِيَهَا (ثِقَةٌ جَازِمٌ) بِرِوَايَتِهَا (فَوَجَبَ قَبُولُهُ) كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ (قَالُوا) أَيْ نَافُو قَبُولِهَا رَاوِيهَا (ظَاهِرُ الْوَهْمِ لِنَفْيِ الْمُشَارِكِينَ) لَهُ فِي السَّمَاعِ وَالْمَجْلِسِ (الْمُتَوَجِّهِينَ لِمَا تَوَجَّهَ لَهُ) إيَّاهَا (قُلْنَا إنْ كَانُوا) أَيْ نَافُوهَا (مَنْ تَقَدَّمَ) أَيْ مَنْ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً (فَمُسَلَّمٌ) كَوْنُهُ ظَاهِرَ الْوَهْمِ فَلَا يُقْبَلُ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ النِّزَاعِ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانُوا لَيْسُوا مِمَّنْ تَقَدَّمَ (فَأَظْهَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ ظَاهِرَ الْوَهْمِ (عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمِ ظُهُورِهِ (لِأَنَّ سَهْوَ الْإِنْسَانِ فِي أَنَّهُ سَمِعَ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعِيدٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُمْ (إذَا كَانُوا مِمَّنْ تُبْعِدُ الْعَادَةُ غَفْلَتَهُمْ عَنْهُ) فَإِنَّ سَهْوَهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ (فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَجْهَيْنِ) فِي الشِّقَّيْنِ (ظَاهِرَانِ تَعَارَضَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute