هَذِهِ الرُّتْبَةِ لَهُ كَالْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ (وَلَا يَلْزَمُ لَهُ رُتْبَةُ الْقَضَاءِ) وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْهُ ثُمَّ لَا يَعُودُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِنَقْصٍ وَانْحِطَاطِ دَرَجَةٍ فَكَذَا هُنَا
(وَتَقَدَّمَ مَا يَدْفَعُهُ) مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمُنَافَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَدَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ (وَأَيْضًا فَالْوُقُوعُ) لِلِاجْتِهَادِ (يَقْطَعُ الشَّغْبَ) بِالسُّكُونِ أَيْ النِّزَاعَ فِي الْجَوَازِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ (وَدَلِيلُهُ) أَيْ الْوُقُوعِ قَوْله تَعَالَى (عَفَا اللَّهُ عَنْك) الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: ٦٧] الْآيَةَ (حَتَّى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ» ) رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَالطَّبَرِيُّ بِلَفْظِ «لَمَا نَجَا مِنْهُ غَيْرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» إلَّا أَنَّهُ يُطْرَقُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُقُوعِ بِالْآيَةِ الْأُولَى مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلِ إنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْإِذْنِ، وَالْعِتَابِ بِهَا عَلَى مَا يَشُوبُهُ مِنْ بَحْثٍ نَعَمْ لَا يَضُرُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوُقُوعِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ مَا سَلَفَ فِيهَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَحِينَئِذٍ يَنْتَفِي إنْكَارُ وُقُوعِهِ مُطْلَقًا كَمَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى (وَبِهِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ (يُدْفَعُ دَفْعَ الدَّلِيلِ الْقَائِلِ لَوْ جَازَ) امْتِنَاعُ الْخَطَأِ عَلَيْهِ، وَالْأَحْسَنُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ امْتَنَعَ (لَكَانَ) امْتِنَاعُهُ عَلَيْهِ (لِمَانِعٍ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ الْمَانِعِ (بِأَنَّ الْمَانِعَ) مِنْ جَوَازِهِ (عُلُوُّ رُتْبَتِهِ وَكَمَالُ عَقْلِهِ وَقُوَّةُ حَدْسِهِ وَفَهْمِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَ هَذَا الدَّفْعَ الْعَلَّامَةُ، وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْخَطَإِ، وَالسَّهْوِ مِنْ لَوَازِمِ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، فَإِذَا جَازَ سَهْوُهُ حَالَ مُنَاجَاتِهِ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا فَسَجَدَ» فَجَوَازُ الْخَطَإِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ حَالِ الصَّلَاةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
(وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لِجَوَازِ الْخَطَإِ عَلَيْهِ (بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ» ) وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرَّاوِي عَنْ الْمِزِّيِّ، وَالذَّهَبِيِّ وَشَيْخِنَا أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ وَأَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ قَالَ: يُؤْخَذُ مَعْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) مُثْبِتٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَطَإِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَنْ أَمَارَتِهِ لَا فِي الْخَطَإِ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِمُعَيَّنٍ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْعُمُومِ الَّذِي أُثْبِتَ لَهُ حُكْمٌ هُوَ صَوَابٌ كَمَا إذَا جَزَمَ بِأَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَائِعَ خَمْرٌ مُحَرَّمٌ لِحُرْمَتِهِ فَإِنَّ الِانْدِرَاجَ وَعَدَمَهُ لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
(وَكَذَا) لَيْسَ بِشَيْءٍ (مَا يُوهِمُهُ عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الْخَطَإِ فِيهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَقُولُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فَهَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيهِ خِلَافٌ، فَإِذَا وَقَعَ هَلْ يُقَرَّرُ عَلَيْهِ أَوْ يُنَبَّهُ عَلَى الْخَطَإِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُقَرَّرُ انْتَهَى. (بَلْ) كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (نَفْيُهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ (اتِّفَاقٌ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ سُقُوطُ التَّوَقُّفِ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَعَزَاهُ فِي الْمَحْصُولِ لِأَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ الْفَتَاوَى أَمَّا الْأَقْضِيَةُ فَيَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا لِغَيْرِهِ، وَالْوَجْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ
فَرْعٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِذَا اجْتَهَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَاسَ فَرْعًا عَلَى أَصْلٍ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا بِالنَّصِّ، وَكَذَا لَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْلًا اجْتِهَادُ غَيْرِ النَّبِيّ]
(مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ) عَقْلًا (اجْتِهَادُ غَيْرِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْأَكْثَرُ يَجُوزُ) عَقْلًا (فَقِيلَ) يَجُوزُ (مُطْلَقًا) أَيْ بِحَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ نَقَلَهُ إِلْكِيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ (وَقِيلَ) يَجُوزُ (بِشَرْطِ غَيْبَتِهِ لِلْقُضَاةِ) ، وَالْوُلَاةِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
(وَقِيلَ) يَجُوزُ (بِإِذْنٍ خَاصٍّ) ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ صَرِيحَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ السُّكُوتَ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ (وَفِي الْوُقُوعِ) مَذَاهِبُ (نَعَمْ) وَقَعَ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute