وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَاخْتَارَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ فِي جَوَازِ أَدَاءِ الصَّوْمِ) أَيْ إنْكَارِ صِحَّةِ أَدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ (فِي السَّفَرِ) كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنْ صَامَ فِي السَّفَرِ فَكَأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي الْحَضَرِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ (عَدُّوهُ) أَيْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انْفِرَادَ هَؤُلَاءِ بِالْمَنْعِ مَعَ ذَهَابِ الْأَكْثَرِ إلَى عَدَمِهِ (خِلَافًا لَا إجْمَاعًا) وَلَوْ كَانَ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ إجْمَاعًا لَعَدُّوا قَوْلَ الْأَكْثَرِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إجْمَاعًا (وَأَيْضًا فَالْأَدِلَّةُ إنَّمَا تُوجِبُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (فِي الْأُمَّةِ) أَيْ حُجِّيَّةُ إجْمَاعِهِمْ (غَيْرُ مَعْقُولٍ لُزُومُ إصَابَتِهِمْ) فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ مُخَالِفًا لَهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَمَا ثَبَتَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى يَجِبُ رِعَايَةُ جَمِيعِ أَوْصَافِ النَّصِّ فِيهِ وَالنَّصُّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (أَوْ) مَعْقُولَ الْمَعْنَى لَزِمَ إصَابَتُهُمْ (إكْرَامًا لَهُمْ) وَالْأَكْثَرُ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ (وَاسْتِدْلَالُ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» مُفَادُهُ مَنْعُ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ) إلَى عَدَمِهَا (مِنْ شَذَّ الْبَعِيرُ) وَنَدَّ إذَا تَوَحَّشَ بَعْدَ مَا كَانَ أَهْلِيًّا فَالشَّاذُّ مَنْ خَالَفَ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً لَا عِبْرَةَ بِعَدَمِ وِفَاقِهِ فَإِذَنْ (فَالْجَمَاعَةُ الْكُلُّ، وَكَذَا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ) الْمُرَادُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ مُتَابَعَةُ الْأَكْثَرِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ، ثُمَّ خَالَفَ الْبَعْضُ لِشُبْهَةٍ اعْتَرَضَتْ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْكُلُّ إذْ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا دُونَهُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كُلِّهَا
(وَبِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ) أَيْ وَاسْتِدْلَالِ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ بِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَى إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ (فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ خِلَافِ عَلِيٍّ وَ) سَعْدِ (بْنِ عُبَادَةَ وَسَلْمَانَ فَلَمْ يَعْتَدُّوهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةُ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ اعْتِدَادِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَتِهِ إنَّمَا هُوَ (بَعْدَ رُجُوعِهِمْ) أَيْ هَؤُلَاءِ إلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ؛ لِأَنَّ بِرُجُوعِهِمْ تَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافَتِهِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ رُجُوعِهِمْ خِلَافَتُهُ (صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي الِانْعِقَادِ) أَيْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ (بِبَيْعَةِ الْأَكْثَرِ) إذْ هِيَ كَافِيَةٌ فِي انْعِقَادِهَا بَلْ هِيَ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ كَافِيَةٌ (لَا) أَنَّ خِلَافَتَهُ (مُجْمَعٌ عَلَيْهَا) وَقْتَئِذٍ فَلَمْ يَتِمَّ دَعْوَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ بِالْأَكْثَرِ، ثُمَّ بَقِيَ مَا وَجْهُ قَائِلٍ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ يَكُونُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً، وَإِنْ بَلَغَ لَا يَكُونُ حُجَّةً أَصْلًا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا أَفَادَنِيهِ الْمُصَنِّفُ إمْلَاءً وَهُوَ أَنَّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ فَلَوْ كَانَ مُخَالِفَهُ إجْمَاعًا لَوَقَعَ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ أَهْلُ التَّوَاتُرِ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى الْحِسِّ لَا مَا قَالُوهُ عَنْ رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قُلْت ثُمَّ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفِيدَ الظَّنُّ وَلَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ]
(مَسْأَلَةٌ وَلَا) يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ فِي) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ لِلْآمِدِيِّ) وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْمَنْخُولِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْعَدْلِ (لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (لَا تُوقِفُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى عَدَالَتِهِ (وَالْحَنَفِيَّةُ تَشْتَرِطُ) عَدَالَةَ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْجَصَّاصُ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَعَزَاهُ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَابْنُ بَرْهَانٍ إلَى كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَصَاحِبُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَالسُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ (لِأَنَّ الدَّلِيلَ) الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (يَتَضَمَّنُهَا) أَيْ الْعَدَالَةَ (إذْ الْحُجِّيَّةُ) الثَّابِتَةُ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إنَّمَا هِيَ (لِلتَّكْرِيمِ) لَهُمْ وَمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْرِيمِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِهَا لَهُمْ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ (وَلِوُجُوبِ التَّوَقُّفِ فِي إخْبَارِهِ) أَيْ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] الْآيَةَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَامَى الْكَذِبُ غَالِبًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute