للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَعَلَى قَوْلِهِمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ لِنَسْخِ الْأَخْبَارِ (يَجِبُ إسْقَاطٌ شَرْعِيٌّ مِنْ التَّعْرِيفِ) لِيَشْمَلَ نَسْخَ الْأَخْبَارِ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا لَكِنْ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ قَوْلَ الْمُجَوِّزِينَ لِنَسْخِ الْخَبَرِ أَنَّ لَفْظَ شَرْعِيٍّ الَّذِي يَجِبُ إسْقَاطُهُ هُوَ وَصْفُ الْمَنْسُوخِ لَا النَّاسِخِ وَشَرْعِيٌّ الْمَذْكُورُ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ وَصْفُ النَّاسِخِ وَقَدْ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى كَوْنِ صَدْرِ تَعْرِيفِهِ رَفْعَ تَعَلُّقِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ، ثُمَّ تَحَرَّرَ عِنْدَهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَقَعْ التَّنَبُّهُ لِهَذَا فَتَنَبَّهْ لَهُ.

(وَالْجَوَابُ) لَمَّا نَفَى نَسْخَهُ عَنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ مَعْنَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: ٣٩] (يَنْسَخُ بِمَا يَسْتَصْوِبُهُ) وَالْوَجْهُ حَذْفُ الْبَاءِ كَمَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ يَنْسَخُ بِمَا يَسْتَصْوِبُ نَسْخَهُ وَيُثْبِتُ بَدَلَهُ مَا يَقْتَضِي حِكْمَتُهُ إثْبَاتَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ غَيْرَ مَنْسُوخٍ (أَوْ) يَمْحُو (مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ) مَا لَيْسَ بِحَسَنَةٍ وَلَا سَيِّئَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِكِتْبَةِ كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ (وَغَيْرُهُ) مِنْ الْأَقْوَالِ كَيَمْحُو سَيِّئَاتِ التَّائِبِ وَيُثْبِتُ الْحَسَنَاتِ مَكَانَهَا وَيَمْحُو قَرْنًا وَيُثْبِتُ آخَرِينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} [طه: ١١٨] مِنْ الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقِ لَا النَّسْخِ) كَذَا فِي الْمِيزَانِ (وَأَمَّا نَسْخُ إيجَابِ الْأَخْبَارِ) عَنْ شَيْءٍ (بِالْأَخْبَارِ) أَيْ بِإِيجَابِ الْأَخْبَارِ (عَنْ نَقِيضِهِ فَمَنَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ النَّسْخِ الشَّيْءَ (الْقَبِيحَ كَذِبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ (بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ) بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ (وَيَجِبُ لِلْحَنَفِيَّةِ مِثْلُهُ) أَيْ مَنْعَ ذَلِكَ أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الْعَقْلِ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ تَغَيَّرَ الْأَوَّلُ) عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ الَّذِي وَقَعَ الْإِخْبَارُ بِهِ أَوَّلًا (إلَيْهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي كُلِّفَ الْإِخْبَارَ عَنْهُ ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ

(وَكَذَا الْمُعْتَزِلَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَيَّرُ كَمَا إذَا قَالَ كَلَّفْتُكُمْ بِأَنْ تُخْبِرُوا بِقِيَامِ زَيْدٍ، ثُمَّ يَقُولُ كُلِّفْتُمْ بِأَنْ تُخْبِرُوا بِأَنَّ زَيْدًا لَيْسَ بِقَائِمٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا وَقْتَ الْإِخْبَارِ بِقِيَامِهِ غَيْرَ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِخْبَارِ بِعَدَمِ قِيَامِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ كَكَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الْأَرْضِ مَثَلًا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَمَذْهَبُنَا الْجَوَازُ انْتَهَى.

وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مُطْلَقًا الْمُخْتَارُ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ إنْ اتَّبَعَ الْمَصْلَحَةَ فَيَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِهَا وَإِلَّا فَلَهُ الْحُكْمُ كَيْفَ شَاءَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، ثُمَّ بِالْجُمْلَةِ قَدْ كَانَ مُقْتَضَى التَّحْرِيرِ تَلْخِيصُ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ مَحَلُّ النَّسْخِ كَذَا وِفَاقًا وَخِلَافًا وَالْمُتَلَخِّصُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ النَّسْخِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حُكْمٌ شَرْعِيُّ فَرْعِيٌّ يَحْتَمِلُ فِي نَفْسِهِ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، ثُمَّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِتَأْبِيدٍ، وَلَا بِتَأْقِيتٍ قَبْلَ مُضِيِّهِ خِلَافًا لِآخَرِينَ وَاخْتِصَارُهُ مَا حَسَّنَهُ أَوْ قَبَّحَهُ مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ غَيْرَ مُؤَدٍّ نَسْخُهُ إلَى جَهْلٍ وَلَا كَذِبٍ وَهَذَا الْقَيْدُ الْأَخِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي لُحُوقِ النَّسْخِ لِبَعْضٍ لِلنِّزَاعِ فِي أَنَّ لُحُوقَهُ مُؤَدٍّ إلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ بِلَا بَدَلٍ]

(مَسْأَلَةٌ قِيلَ) وَقَائِلُهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ (لَا يُنْسَخُ) الْحُكْمُ (بِلَا بَدَلٍ) عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ (فَإِنْ أُرِيدَ) بِالْبَدَلِ بَدَلٌ (وَلَوْ) كَانَ (بِإِبَاحَةٍ أَصْلِيَّةٍ) أَيْ بِثُبُوتِهَا لِذَلِكَ الْفِعْلِ إذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ تَعَلُّقُ الْمَنْسُوخِ بِهِ (فَاتِّفَاقُ) كَوْنِهِ لَا يَجُوزُ بِلَا بَدَلٍ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ عِبَادَهُ هَمْلًا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ يُنْسَخُ فَرْضٌ أَبَدًا إلَّا أُثْبِت مَكَانَهُ فَرْضٌ كَمَا نُسِخَتْ قِبْلَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأُثْبِت مَكَانَهَا الْكَعْبَةُ انْتَهَى - أَرَادَ بِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِهَا أَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ حَظْرٍ إلَى إبَاحَةٍ أَوْ مِنْ إبَاحَةٍ إلَى حَظْرٍ أَوْ تَخْيِيرٍ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْفُرُوضِ. قَالَ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمُنَاجَاةُ كَانَ يُنَاجِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا تَقْدِيمِ صَدَقَةٍ ثُمَّ فَرَضَ اللَّهُ تَقْدِيمَ الصَّدَقَةِ ثُمَّ أَزَالَ ذَلِكَ فَرَدَّهُمْ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءُوا تَقَرَّبُوا بِالصَّدَقَةِ إلَى اللَّهِ وَإِنْ شَاءُوا نَاجَوْهُ مِنْ غَيْرِ صَدَقَةٍ. قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَرْضٌ مَكَانَ فَرْضٍ فَتَفَهَّمْهُ انْتَهَى.

(أَوْ) أُرِيدَ بِالْبَدَلِ بَدَلٌ (مُفَادٌ بِدَلِيلِ النَّسْخِ) فِي الْمَنْسُوخِ (فَالْحَقُّ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ هَذَا الْمُرَادِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِهِ قَوْلٌ (بِلَا مُوجِبٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ كَنَسْخِ حُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ) لِلنِّسَاءِ (بَعْد الْفِطْرِ) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي تَفْسِيرِ الزَّجَّاجِ أَيْ حُكْمُ الْمَنْسُوخِ فِي هَذَا حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْمَذْكُورُ لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَوُجُوبُ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْفِطْرِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ أَيْ الْإِفْطَارُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُهُ وَالْإِمْسَاكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>