للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُخَالِفِ) إذْ لَا نَسْخَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زَوَالِ الْحُكْمِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ (لَنَا نَسْخُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (يُرْفَعُ اعْتِبَارُ كُلِّ عِلَّةٍ لَهُ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَبِهَا) أَيْ وَبِعِلَّةِ الْأَصْلِ (ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ فَيَنْتَفِي) بِانْتِفَائِهَا وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا دَلِيلٍ، (فَقَوْلُ الْمُبْقِينَ) لِحُكْمِ الْفَرْعِ (الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلَالَةِ لَا لِلْحُكْمِ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ تَابِعًا لِدَلَالَةِ الْأَصْلِ (انْتِفَاؤُهُ) أَيْ حُكْمِهِ (لِانْتِفَائِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُبْقِينَ أَيْضًا (هَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ لَا يَبْقَى مَعَ نَسْخِ حُكْمِ الْأَصْلِ (حُكْمٌ يَرْفَعُ حُكْمَ الْفَرْعِ قِيَاسًا عَلَى رَفْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ قِيَاسٌ (بِلَا جَامِعٍ) بَيْنَهُمَا مُوجِبٌ لِلرَّفْعِ (بَعْدَ عَظِيمٍ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ الْأَصْلِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْفَحْوَى نَاسِخًا وَقَدْ ادَّعَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَحْوَى قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ نَاسِخًا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَيْضًا لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَيَجُوزُ نَسْخُهُ مَعَ الْأَصْلِ وَبِدُونِهِ، وَأَمَّا نَسْخُ الْأَصْلِ بِدُونِهِ فَذَكَرَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ أَنْ أَظْهَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ فَتَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ وَتَبَعِيَّتُهَا لَهُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَهَلْ يَجُوزُ النَّسْخُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَابْنُ السَّمْعَانِيُّ لَا لِضَعْفِهَا عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النُّطْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ]

(مَسْأَلَةٌ) مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ) فِي حَقِّ الْأُمَّةِ (بَعْدَ تَبْلِيغِهِ) أَيْ جِبْرِيلِ النَّبِيَّ (- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ تَبْلِيغِهِ هُوَ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمَّةَ وَقِيلَ يَثْبُتُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْخِلَافُ إذَا بَلَّغَ جِبْرِيلُ وَأَلْقَاهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَوَرَاءَهُ صُوَرٌ إحْدَاهَا: أَنْ لَا يَنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْلُغَ جِنْسَ الْبَشَرِ كَمَا إذَا أَوْحَى اللَّهُ إلَى جِبْرِيلَ وَلَمْ يَنْزِلْ.

الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْزِلَ وَلَكِنْ لَمْ يُلْقِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي هَاتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ.

الثَّالِثَةُ أَنْ يُبَلِّغَ جِنْسَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْبَشَرِ وَلَكِنْ فِي غَيْرِ دَارِ التَّكْلِيفِ كَالسَّمَاءِ ثُمَّ يَرْتَفِعَ كَفَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَإِنَّهُ بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رُفِعَ فَهَلْ يَكُونُ نَسْخًا؟ فِيهِ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِثُبُوتِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ اهـ قُلْت؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَقَعْ النَّسْخُ لَهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ اهـ. وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ.

الرَّابِعَةُ أَنْ يُبَلِّغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَرْضِ وَلَا يُبَلِّغَ الْأُمَّةَ فَإِنْ تَمَكَّنُوا مِنْ الْعِلْمِ بِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَا بِمَعْنَى وُجُوبِ الِامْتِثَالِ وَلَا بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَالنَّائِمِ وَلَا نَحْفَظُ أَحَدًا قَالَ بِثُبُوتِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ) أَيْ ثُبُوتَهُ (يُوجِبُ تَحْرِيمَ شَيْءٍ وَوُجُوبَهُ فِي وَقْتٍ) وَاحِدٍ لَوْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَنْسُوخُ وَاجِبًا قَبْلَ نَسْخِهِ إذْ وُجُوبُهُ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وُصُولِ النَّاسِخِ إلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَنْسُوخَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ عِلْمِهِ) بِالنَّاسِخِ (أَثِمَ) بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِثْمُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ (لَازِمُ الْوُجُوبِ) فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا (وَالْفَرْضُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَمَلَ بِهِ (حُرِّمَ) بِالنَّاسِخِ فَكَانَ وَاجِبًا حَرَامًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ (وَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الثَّانِي (غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَرْعِيَّتَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ) بِكَوْنِهِ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ (أَثِمَ) بِعِلْمِهِ بِالِاتِّفَاقِ (فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ) أَيْ النَّاسِخِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ بِالْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إثْمَ بِالْعَمَلِ بِالْوَاجِبِ (وَأَيْضًا لَوْ ثَبَتَ) حُكْمُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمَّةَ (ثَبَتَ) حُكْمُهُ (قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِاتِّحَادِهِمَا) أَيْ هَذَيْنِ (فِي وُجُودِ النَّاسِخِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (الْمُوجِبِ لِحُكْمِهِ) أَيْ النَّاسِخِ (مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنْ عَمَلِهِ) أَيْ النَّاسِخَ (وَقَدْ يُقَال) عَلَى الْوَجْهَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>