للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

[مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ]

(مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْجَصَّاصِ) خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلْكَاكِيِّ وَعَزَا الْأَوَّلُ فِي شَرْحِهِ لِأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (لَنَا عَدْلٌ ضَابِطٌ جَازِمٌ فِي عَمَلِيٍّ فَيُقْبَلُ كَغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ (قَالُوا تَحَقَّقَ الْفَرْقُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ (بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا أَيْ ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» أَخْرَجَهُ أَبُو حَنِيفَةَ (وَفِيهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (شُبْهَةٌ) وَهِيَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ بِخَبَرِهِ (قُلْنَا الْمُرَادُ) بِالشُّبْهَةِ الَّتِي يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ الشُّبْهَةُ (فِي نَفْسِ السَّبَبِ لَا الْمُثْبِتِ) لِلسَّبَبِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الشُّبْهَةَ فِي مُثْبِتِ السَّبَبِ (انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ فِيهَا إذْ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِرَادَةُ غَيْرِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ فِيهِ مِنْ تَخْصِيصٍ وَإِضْمَارٍ وَمَجَازٍ قَائِمٌ لَكِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِهِمَا اتِّفَاقًا (وَإِلْزَامُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ (بِالْقِيَاسِ) أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ ثَابِتٌ بِدَلَائِلَ مُوجِبَةٍ لِلْعِلْمِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالشَّهَادَةِ (مُلْتَزَمٌ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ) وَعِنْدَهُمْ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ (وَالْفَرْقُ لَهُمْ) بَيْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فِي هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْحَدَّ (مَلْزُومٌ لِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ لَا يَدْخُلُهَا الرَّأْيُ) فَامْتَنَعَ إثْبَاتُهَا بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ كَلَامُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِلَيْهِ إثْبَاتُ كُلِّ حُكْمٍ فَيَجِبُ قَبُولُهُ

(تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ) لِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ وُرُودِهِ أَيْ مَا جُعِلَ الْخَبَرُ فِيهِ حُجَّةً (مَحَلُّ وُرُودِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَشْرُوعَاتٌ لَيْسَتْ حُدُودًا كَالْعِبَادَاتِ) مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا مِمَّا لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً كَالْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ تَابِعٌ كَالْعُشْرِ أَوْ لَيْسَ بِخَالِصٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ (وَالْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ) أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْمَشْرُوطُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَقْلِ وَالضَّبْطِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ فِي الرَّاوِي (حُجَّةٌ فِيهَا خِلَافًا لِشَارِطِي الْمُثَنَّى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هَذَا التَّقْسِيمُ فِي ذَيْلِهَا لَكِنْ إنْ كَانَ الْخَبَرُ حَدِيثًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَلَا شَاذًّا وَلَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا سَيَأْتِي (وَحُدُودٌ وَفِيهَا مَا تَقَدَّمَ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ فِيهَا بِشُرُوطِهِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُ مُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ (فَإِنْ كَانَ) مَحَلُّ وُرُودِ الْخَبَرِ (حُقُوقًا لِلْعِبَادِ فِيهَا إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ هِبَةٍ وَغَيْرِهَا وَالْأَشْيَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَمْوَالِ كَالْآجَالِ وَالدُّيُونِ (فَشَرْطُهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ (الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ وَالْبَصَرِ وَأَنْ لَا يَجُرَّ بِشَهَادَتِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ عَنْهَا مَغْرَمًا وَمَعَ الذُّكُورَةِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدِ (اُحْتِيطَ لِمَحَلِّيَّتِهِ) أَيْ الْخَبَرِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (لِدَوَاعٍ) إلَى التَّزْوِيرِ وَالْحِيَلُ فِي هَذَا النَّوْعِ (لَيْسَتْ فِيمَا عَنْ الشَّارِعِ) تَقْلِيلًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهَا (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (الْفِطْرُ) لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِهِلَالِ الْفِطْرِ الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ سَائِرِ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَفِي التَّلْوِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ إثْبَاتِ الْحُقُوقِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يُخَافُ فِيهِ التَّلْبِيسُ وَالتَّزْوِيرُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ يَنْتَفِعُونَ بِالْفِطْرِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِهِمْ

وَيَلْزَمُهُمْ الِامْتِنَاعُ عَنْ الصَّوْمِ يَوْمَ الْفِطْرِ فَكَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ انْتِفَاعَهُمْ بِالصَّوْمِ أَكْثَرُ وَإِلْزَامَهُمْ فِيهِ أَظْهَرُ مَعَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ اهـ وَأُورِدَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَصَامُوا ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ يُفْطِرُونَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ فَإِنَّ هَذَا فِطْرٌ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِطْرَ غَيْرُ ثَابِتٍ بِشَهَادَتِهِمْ بَلْ بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الْقَاضِي بِرَمَضَانَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ انْسِلَاخُهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَشَهَادَتُهُ أَفْضَتْ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>