تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الثَّوَابَ الْوَاجِبَ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا حَتَّى إنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا، ثُمَّ تَزِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي اللُّغَةِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وَرَدَ بِالْمَنْعِ حَتَّى إنَّهُ لَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ طَاعَةِ الْجَمِيعِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] لَمْ تُحْمَلْ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ.
(فَتَفْرِيعُ تَحْرِيمِ الْكُلِّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ (فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ) عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ جَوَازُ تَحْرِيمِ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ (مُنَاقَضَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ) فَإِنَّ مِنْ حُكْمِهِ أَنَّ لَهُ فِعْلَهَا إلَّا وَاحِدًا فَتَحْرِيمُ الْكُلِّ مُنَافٍ لَهُ (بِخِلَافِ) تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ فِي (الِاشْتِبَاهِ) بِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنَّهَا إنَّمَا (حُرِّمَتْ الزَّوْجَةُ لِاحْتِمَالِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (الْمُحَرَّمَةَ احْتِيَاطًا وَلَا احْتِمَالَ فِي الْوَاحِدَةِ الْمَوْطُوءَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ) أَيْ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ (تَرْكُ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَ) إذَا وَطِئَهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ) إحْدَاهُنَّ لِلطَّلَاقِ (وَيَنْسَى) الْمُعَيَّنَةَ (فَكَالِاشْتِبَاهِ) أَيْ فَيَحْرُمْنَ احْتِيَاطَ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُنَّ الْمُحَرَّمَةَ وَبَعْدَ أَنْ عَبَّرَ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ هَذَا الْفَرْعِ بِإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِبَقَاءِ حِلِّ وَطْئِهِمَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بَلْ الْوَاقِعُ أَمْرٌ لَهُ صَلَاحِيَّةُ التَّأْثِيرِ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّعْيِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُرِّمَتَا جَمِيعًا إلَى وَقْتِ الْبَيَانِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ وَجَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ بِهَذَا تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ بِالْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ.
[مَسْأَلَةٌ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ]
(مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالْجِهَةِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِإِطْبَاقِ مَانِعِي تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَبَعْضِ الْمُجِيزِينَ) لَهُ (لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ فِيهِ (الْحُكْمَ بِجَوَازِ التَّرْكِ وَعَدَمِهِ) أَيْ جَوَازِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الْحَرَامِ، وَالنَّوْعُ مُتَضَمِّنٌ لِجِنْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْفِعْلِ كَوْنُ الشَّارِعِ آذِنًا فِيهِ وَمِنْ حُرْمَتِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ آذِنٍ فِيهِ كَمَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ طَالِبًا لِتَرْكِهِ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ وَهُوَ تَكْلِيفُ مُحَالٍ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَإِنَّ جَوَازَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَيَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ جِنْسًا وَقَدْ يُقَالُ نَوْعًا أَنْ يَكُونَ فَرْدٌ مِنْهَا وَاجِبًا وَفَرْدٌ مِنْهَا حَرَامًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: ٣٧] وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ لِذَاتِهِ هَذَا بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحُسْنِ مُنَافِيَةٌ لِحَقِيقَةِ الْقُبْحِ فَلَوْ اجْتَمَعَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَاحِدَةً وَهِيَ ذَاتُ الْفِعْلِ مُقْتَضِيَةٌ لِمُتَنَافِيَيْنِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ الْفِعْلِ مَقُولَةً عَلَى آحَادِهَا بِالتَّشْكِيكِ وَلَا تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا وَيَكُونُ بَعْضُ آحَادِهَا مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ وَبَعْضُهَا لِلْقُبْحِ وَقَوْلُهُمْ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقَانِ فِي السُّجُودِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ لَا بِالسُّجُودِ فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا كَانَ لِلْمَخْلُوقِ فَهُوَ حَرَامٌ فَبَعْدَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ لَا يُجْدِيهِمْ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَهُوَ قَصْدُ التَّعْظِيمِ وَاحِدٌ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ لِانْعِقَادِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ عَلَى أَنَّ السَّاجِدَ لِلشَّمْسِ عَاصٍ بِنَفْسِ السُّجُودِ وَالْقَصْدِ جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ.
وَمَنَعَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ بِالْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ وَهَذَا بِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ يُوجِبُ التَّغَايُرَ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مُغَايِرًا لِمُتَعَلِّقِ الْحُرْمَةِ فَلَا مُحَالَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ ذِي الْجِهَتَيْنِ الْمُتَلَازِمَتَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِاعْتِبَارِهِمَا وَإِلَّا لَزِمَ وُقُوعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَاتٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِمَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَّا بِهِ (وَيَجُوزُ فِي) الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ (ذِي الْجِهَتَيْنِ) الْغَيْرِ الْمُتَلَازِمَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ فَيَجِبُ بِإِحْدَاهُمَا وَيَحْرُمُ بِالْأُخْرَى (كَالصَّلَاةِ فِي) الْأَرْضِ (الْمَغْصُوبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) فَتَجِبُ لِكَوْنِهَا صَلَاةً وَتَحْرُمُ لِكَوْنِهَا غَصْبًا (خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْجُبَّائِيِّ) فَقَالُوا (فَلَا يَصِحُّ) الصَّلَاةُ (فَلَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ وَلِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute