للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ كَذَلِكَ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ مُوجِبَ الْعُصُوبَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ إذَا انْفَرَدَتْ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِ الْمَالِ وَمُوجِبُ الزَّوْجِيَّةِ إذَا انْفَرَدَتْ اسْتِحْقَاقُ النِّصْفِ لَا غَيْرُ وَمُوجِبُ الْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ إذَا انْفَرَدَتْ اسْتِحْقَاقُ السُّدُسِ لَا غَيْرُ وَقَدْ أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْ هَاتَيْنِ مُقْتَضَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً فَلْيُتَأَمَّلْ، وَأَمَّا وَجْهُ انْدِفَاعِ مَا وَجَّهَ بِهِ قَوْلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي قَرَابَةِ الْأَبِ وَقَدْ تَرَجَّحَتْ قَرَابَةُ الْأَخِ لِأُمٍّ بِانْضِمَامِ قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ وَالْأُخُوَّةُ لِأُمٍّ كَذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْعُمُومَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا قَرَابَةً مِثْلَهَا لَكِنَّهَا لَا تَسْتَبِدُّ بِالتَّعْصِيبِ فَيَكُونُ مِثْلَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْقَرَابَةِ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ فَهُوَ مَنَعَ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِأُمٍّ مِنْ جِنْسِ الْعُمُومَةِ بَلْ هِيَ أَقْرَبُ وَلِذَا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُ ابْنِ الْعَمِّ بِالْعُصُوبَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْأَخِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَكُونُ مُرَجِّحًا بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَتَأَكَّدُ بِانْضِمَامِ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ تَابِعٍ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَالْإِخْوَةُ لِأُمٍّ لَمْ تَصْلُحْ أُخْوَةُ الْأُمِّ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ بِالْفَرْضِيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ قَرَابَةُ الْأَبِ وَأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ وَصْفٌ لِقَرَابَةِ الْأَبِ تَابِعٌ لَهَا تَرَجَّحَتْ بِهِ قَرَابَةُ الْأَبِ فِي الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الْمَنْزِلَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ]

(فَصْلٌ يَلْحَقُ السَّمْعِيَّيْنِ) الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ (الْبَيَانُ الْإِظْهَارُ لُغَةً) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] أَيْ إظْهَارَ مَعَانِيهِ وَشَرَائِعِهِ (وَاصْطِلَاحًا إظْهَارُ الْمُرَادِ) مِنْ لَفْظٍ مَتْلُوٍّ وَمُرَادِفٍ لَهُ (بِسَمْعِيٍّ) مَتْلُوٍّ أَوْ مَرْوِيٍّ (غَيْرِ مَا) أَيْ اللَّفْظِ الَّذِي (بِهِ) كَانَ أَدَاءُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهُوَ اللَّفْظُ السَّابِقُ عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَخَرَجَتْ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ ابْتِدَاءً وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْبَيَانَ عَلَى هَذَا فِعْلُ الْمُبَيِّنِ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ (وَيُقَالُ) الْبَيَانُ أَيْضًا (لِظُهُورِهِ) أَيْ الْمُرَادُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الدَّلِيلِ وَمُتَعَلِّقِهِ يُقَالُ بِأَنَّ الْأَمْرَ وَالْهِلَالَ إذَا ظَهَرَ وَانْكَشَفَ وَنَسَبَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ تَعْرِيفُ الدَّقَّاقِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَتَبَيَّنُ بِهِ الْمَعْلُومُ إلَّا أَنَّهُ مَخْدُوشٌ بِأَنَّ أَثَرَ الدَّلِيلِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا لِكَوْنِ الدَّلِيلِ ظَنِّيًّا فَلَا يَكُونُ جَامِعًا (وَ) يُقَالُ أَيْضًا (لِلدَّالِ عَلَى الْمُرَادِ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْبَيَانَ عَلَى هَذَا اسْمٌ لِلدَّلِيلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ إدْرَاكُ الْمُرَادِ بِمَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مُفِيدٍ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَفِعْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَسُكُوتِهِ وَاسْتِبْشَارِهِ وَتَنْبِيهِهِ بِالْفَحْوَى عَلَى الْحُكْمِ بَيَانٌ لَا جَمِيعُ ذَلِكَ دَلِيلٌ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُهَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَبَعْضُهَا غَلَبَةَ الظَّنِّ ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَهُ بِالدَّلِيلِ الْمُوَصِّلِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ إلَى اكْتِسَابِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ غَيْرُ جَامِعٍ أَيْضًا كَتَعْرِيفِ الدَّقَّاقِ. ثُمَّ عَزَا صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ هَذَا إلَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْحَنَفِيَّةِ زِيَادَةُ أَوْ) إظْهَارُ (انْتِهَائِهِ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظٍ سَابِقٍ مَتْلُوٍّ أَوْ مَرْوِيٍّ (أَوْ رَفْعُ احْتِمَالٍ) لِإِرَادَةِ غَيْرِهِ وَتَخْصِيصِهِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُرَادِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ نَحْوَ بِجَنَاحَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ التَّجَوُّزِ بِالطَّائِرِ عَنْ سَرِيعِ الْحَرَكَةِ فِي السَّيْرِ كَالْبَرِيدِ وَالتَّأْكِيدِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: ٣٠] فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ احْتِمَالِ الْمَلَائِكَةِ التَّخْصِيصَ (لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ إلَّا الْقَاضِي أَبَا زَيْدٍ (قَسَّمُوهُ) أَيْ الْبَيَانَ (إلَى خَمْسَةٍ) مِنْ الْأَقْسَامِ وَهُوَ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (بَيَانُ تَبْدِيلٍ سَيَأْتِي) وَهُوَ النَّسْخُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ بَيَانُ انْتِهَاءِ إرَادَةِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَسْقَطَهُ أَبُو زَيْدٍ وَوَافَقَهُ عَلَى إسْقَاطِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَّا أَنَّهُ وَافَقَهُمْ عَلَى أَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَسَنَذْكُرُ مَا هُوَ الْخَامِسُ عِنْدَهُ (وَ) بَيَانُ (تَقْرِيرٍ وَهُوَ التَّأْكِيدُ) وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ رَفْعَ احْتِمَالِ غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْ الْمُبَيَّنِ (وَقِسْمُ الشَّيْءِ مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُنْتَفٍ) وَإِذَا كَانَ مُنْتَفِيًا وَلَزِمَ كَوْنُ الْقِسْمِ الْمُسَمَّى بِبَيَانِ التَّقْرِيرِ مِنْ أَقْسَامِهِ (فَلَزِمَ ذَلِكَ) أَيْ زِيَادَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>