شَرْطٌ) لِقَبُولِ فَتْوَاهُ (فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (عِنْدَ السَّائِلِ وَلَوْ) كَانَ ثُبُوتُهُ (ظَنَّا لَمْ يَثْبُتْ) كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (وَأَيْضًا ثَبَتَ عَدَمُهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ بِالْجَهْلِ (إلْحَاقًا) لِهَذَا (بِالْأَصْلِ) أَيْ عَدَمِ الِاجْتِهَادِ (كَالرَّاوِي) الْمَجْهُولِ الْعَدَالَةِ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ (أَوْ بِالْغَالِبِ إذْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِبَعْضِ الْعُلُومِ الَّتِي لَهَا دَخْلٌ فِي الِاجْتِهَادِ غَيْرُ مُجْتَهِدِينَ) فَضْلًا عَمَّنْ لَا مُشَارَكَةَ لَهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْأَعَمِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ إذَا تَضَافَرَا يَكَادُ تَضَافُرُهُمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ.
(قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الِامْتِنَاعِ: (لَوْ امْتَنَعَ) فِيمَنْ جُهِلَ اجْتِهَادُهُ دُونَ عَدَالَتِهِ (امْتَنَعَ فِيمَنْ عُلِمَ اجْتِهَادُهُ دُونَ عَدَالَتِهِ) بِدَلِيلِكُمْ بِعَيْنِهِ بِأَنْ يُقَالَ: الْعَدَالَةُ شَرْطٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَالْأَكْثَرُ الْفِسْقُ فَالظَّاهِرُ فِسْقُهُ (أُجِيبُ بِالْتِزَامِهِ) أَيْ الْتِزَامِ الِامْتِنَاعِ فِي هَذَا أَيْضًا (لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ امْتِنَاعِهِ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ امْتِنَاعِهِ (الْحَقُّ، فَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا (أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُجْتَهِدِينَ الْعَدَالَةُ فَالْإِلْحَاقُ بِهِ) أَيْ بِالْغَالِبِ (أَرْجَحُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إلْحَاقِهِ (بِالْأَصْلِ) الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ (بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ غَالِبًا فِي أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ) وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِخُلُوِّهَا عَنْهُ بَلْ قِيلَ هُوَ أَعَزُّ مِنْ الْإِكْسِيرِ الْأَعْظَمِ وَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ثُمَّ إذَا بُحِثَ عَنْ حَالِهِ فَاشْتَرَطَ الْإسْفَرايِينِيّ تَوَاتُرَ الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا وَرَدَّهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ بَيْنَ النَّاسِ كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِيهِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ مُفْتٍ، وَجَزَمَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ عَنْ فِقْهِهِ وَأَمَانَتِهِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الْإِخْبَارِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا الْمُلْتَبِسَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ إخْبَارُ آحَادِ الْعَامَّةِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ التَّلَبُّسِ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاكْتَفَى فِي الْمَنْخُولِ بِقَوْلِهِ إنِّي مُفْتٍ وَالْمُخْتَارُ فِي الْغِيَاثِيِّ اعْتِمَادُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَظْهَرَ وَرَعُهُ، وَفِي وَجِيزِ ابْنِ بَرْهَانٍ قِيلَ يَقُولُ لَهُ لِتَجْتَهِدَ أَنْتَ فَأُقَلِّدُك فَإِنْ أَجَابَهُ قَلَّدَهُ وَهَذَا أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ اهـ.
وَقِيلَ لَا يُعْتَمَدُ وَشَرَطَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْقَاضِي امْتِحَانَهُ بِأَنْ يُلَفِّقَ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً وَيُرَاجِعُهُ فِيهَا فَإِنْ أَصَابَ فِيهَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا وَقَلَّدَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَمْ يَشْرُطْهُ آخَرُونَ قُلْت وَهُوَ أَشْبَهَ بَعْدَ فَرْضِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَيْنَ لِلْعَامِّيِّ مَعْرِفَةُ كَوْنِهِ مُصِيبًا فِي جَوَابِهَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَوَابُهُ فِيهَا خَطَأً عِنْدَ مُجْتَهِدٍ لَا يَلْزَمُ فِيهِ نَفْيُ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا إذْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَتَوَارَدَ الْمُجْتَهِدَانِ عَلَى جَوَابٍ وَاحِدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا عُلِمَتْ عَدَالَتُهُ، وَلَمْ يَنْفِ مُعَاصِرُوهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ تُعْرَفْ الْعَدَالَةُ فَيَكْتَفِي فِي الْإِخْبَارِ بِهَا قِيلَ بِعَدْلٍ وَقِيلَ بِعَدْلَيْنِ وَبِهَذَا جَزَمَ فِي الْمَنْخُولِ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]
(مَسْأَلَةٌ: إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ تَخْرِيجًا) عَلَى أُصُولِهِ (لَا نَقْلَ عَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ مَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ (فَإِنَّهُ) أَيْ نَقْلَهُ (يُقْبَلُ بِشَرَائِطَ) قَبُولِ رِوَايَةِ (الرَّاوِي) مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا اتِّفَاقًا، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَيْنَ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابِهَا، وَهُوَ (إنْ كَانَ) غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ (مُطَّلِعًا عَلَى مَبَانِيهِ) أَيْ مَآخِذِ أَحْكَامِ الْمُجْتَهِدِ (أَهْلًا) لِلنَّظَرِ فِيهَا قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى قَوَاعِدِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَلَكَةُ الِاقْتِدَارِ عَلَى اسْتِنْبَاطِ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمُتَجَدِّدَةِ الَّتِي لَا نَقْلَ فِيهَا عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي مَهَّدَهَا صَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُجْتَهِدِ فِي الْمَذْهَبِ (جَازَ، وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (لَا) يَجُوزُ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ مَنْ حَفِظَ الْأَقَاوِيلَ وَلَمْ يَعْرِفْ الْحُجَجَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ. (وَقِيلَ) جَازَ (بِشَرْطِ عَدَمِ مُجْتَهِدٍ وَاسْتُغْرِبَ) نَقْلُهُ، وَالْمُسْتَغْرِبُ لَهُ الْعَلَّامَةُ (وَقِيلَ يَجُوزُ) إفْتَاءُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى الْمَأْخَذِ أَمْ لَا عَدِمَ الْمُجْتَهِدَ أَمْ لَا، وَهَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْبَدِيعِ قَالَ شَارِحُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute