للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْلُومٌ بَلْ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ بَغْتَةً فَهَذِهِ إفَاقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[الرِّقُّ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

(وَأَمَّا الرِّقُّ) فَهُوَ لُغَةً الضَّعْفُ وَمِنْهُ صَوْتٌ رَقِيقٌ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ (فَعَجْزٌ حُكْمِيٌّ عَنْ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَمَالِكِيَّةِ الْمَالِ) وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِهَا (كَائِنٌ عَنْ جَعْلِهِ) أَيْ الْمَرْقُوقِ (شَرْعًا عُرْضَةً) أَيْ مَحَلًّا مَنْصُوبًا مُتَهَيِّئًا (لِلتَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ) أَيْ الِامْتِهَانِ وَقَيَّدَ بِالْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَرِقَّاءِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْحِرَفِيِّ الْقَوِيِّ الْحِسِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَدَنِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا ثُمَّ هُوَ حَقُّ اللَّهِ ابْتِدَاءً بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ جَزَاءً لِلْكُفْرِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَلْحَقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْبَهَائِمِ فِي عَدَمِ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِ التَّوْحِيدِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِجَعْلِهِمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ مُتَمَلَّكِينَ مُبْتَذَلِينَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ثُمَّ صَارَ حَقًّا لِلْعَبْدِ بَقَاءً بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الرَّقِيقَ مِلْكًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَعْنَى الْجَزَاءِ وَجِهَةِ الْعُقُوبَةِ حَتَّى إنَّهُ يَبْقَى رَقِيقًا وَإِنْ أَسْلَمَ وَاتَّقَى (فَلَا يَتَجَزَّأُ الرِّقُّ) قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ ثُبُوتًا حَتَّى لَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَرَأَى الصَّوَابَ فِي اسْتِرْقَاقِ أَنْصَافِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ (لِاسْتِحَالَةِ قُوَّةِ الْبَعْضِ الشَّائِعِ) مِنْ الْمَحَلِّ (بِاتِّصَافِهِ بِالْوِلَايَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ) دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ (فَكَذَا ضِدُّهُ) أَيْ الرِّقِّ (وَهُوَ الْعِتْقُ) لَا يَتَجَزَّأُ أَيْضًا اتِّفَاقًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَيْضًا (وَإِلَّا) لَوْ تَجَزَّأَ الْعِتْقُ (تَجَزَّأَ) الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ الْمَحَلِّ شَائِعًا فَالْبَعْضُ الْآخَرُ إنْ عَتَقَ فَلَا تُجْزِئُ مَعَ فَرْضِ أَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ هَذَا خَلَفٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ لَزِمَ الْمُحَالُ الْمَذْكُورُ (وَكَذَا الْإِعْتَاقُ عِنْدَهُمَا) لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَتَقَ كُلُّهُ.

(وَإِلَّا) لَوْ تَجَزَّأَ (ثَبَتَ الْمُطَاوَعُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ (بِلَا مُطَاوِعٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ الْعِتْقُ (إنْ لَمْ يَنْزِلْ) أَيْ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ (شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُطَاوِعُ الْإِعْتَاقِ وَلَازِمُهُ يُقَالُ أَعْتَقْته فَعَتَقَ كَكَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ وَالْمُطَاوَعَةُ حُصُولُ الْأَثَرِ عَنْ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِمَفْعُولِهِ وَأَثَرُ الشَّيْءِ لَازِمٌ لَهُ (وَقَلْبُهُ) أَيْ وَثَبَتَ الْمُطَاوِعُ بِكَسْرِ الْوَاوِ بِلَا مُطَاوَعٍ بِفَتْحِهَا (إنْ نَزَلَ) أَيْ عَتَقَ (كُلُّهُ) ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ وَلَا يَنْزِلُ بَعْضُهُ بِإِعْتَاقِ بَعْضِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ (وَتَجَزَّأَ) الْإِعْتَاقُ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِعْتَاقَ (إزَالَةُ الْمِلْكِ الْمُتَجَزِّئِ) اتِّفَاقًا (حَتَّى صَحَّ شِرَاءُ بَعْضِهِ وَبَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ بَعْضِهِ (وَإِنْ تَعَلَّقَ بِتَمَامِهِ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (مَا لَا يَتَجَزَّأُ) وَهُوَ الْعِتْقُ فَإِنْ وَصْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ (كَالْوُضُوءِ تَعَلَّقَ بِتَمَامِهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ) أَيْ الْوُضُوءُ (مُنْجَزٌ دُونَهَا) أَيْ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ (وَالْمُطَاوَعَةُ فِي أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ) إنَّمَا هِيَ (عِنْدَ إضَافَتِهِ) أَيْ الْإِعْتَاقِ (إلَى كُلِّهِ كَمَا هُوَ اللَّفْظُ) أَيْ أَعْتَقَهُ (فَلَا يَثْبُتُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ) إذْ لَوْ ثَبَتَ الْعِتْقُ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ وَثُبُوتِهِ فِي الْكُلِّ حِينَئِذٍ بِلَا سَبَبٍ مَعَ تَضَرُّرِ الْمَوْلَى بِذَلِكَ (وَلَا) يَثْبُتُ أَيْضًا بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ (زَوَالُ شَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ عِنْدَهُ) لَكِنْ مِنْ الْمِلْكِ (بَلْ هُوَ) أَيْ مُعْتَقُ الْبَعْضِ (كَالْمُكَاتَبِ) فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ سَائِرُ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ (لَا يُرَدُّ) إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ، وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (فَأَثَرُهُ) أَيْ إعْتَاقِ الْبَعْضِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ إزَالَةُ بَعْضِ الْمِلْكِ (فِي فَسَادِ الْمِلْكِ) فِي الْبَاقِي حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمَوْلَى بَيْعَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَلَا إبْقَاءَهُ فِي مِلْكِهِ وَيَصِيرُ هُوَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَيَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ.

(وَهَذَا) إنَّمَا كَانَ (لِوُجُوبِ قَصْرِ مُلَاقَاةِ التَّصَرُّفِ حَقَّ الْمُتَصَرِّفِ) لَا حَقَّ غَيْرِهِ (إلَّا ضِمْنًا كَمَا فِي إعْتَاقِ الْكُلِّ) فَإِنَّ فِيهِ إزَالَةَ حَقِّ الْعَبْدِ قَصْدًا وَأَصْلًا وَلَزِمَ مِنْهُ زَوَالُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ضِمْنًا وَتَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّعَقُّبِ لِمَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْإِعْتَاقِ بِأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ بِمَا ذَكَرَهُ ثَمَّةَ لَيْسَ بِتَعَقُّبٍ سَدِيدٍ وَيَزْدَادُ لَدَى النَّاظِرِ وُضُوحًا بِمُرَاجَعَةِ أَوَائِلِ بَابِ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالرِّقُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) ابْتِدَاءً (وَالْمِلْكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>