للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِعِلْمٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْرِيرٍ مِنْهُ لَهُمْ عَلَيْهِ قَطْعًا.

وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] كَانَ نَصًّا عِنْدَهُمْ فِي إفَادَةِ النَّسْخِ بِقَرَائِنَ اخْتَفَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي " خَيْرٌ " لَيْسَ هَذَا لِلتَّفْضِيلِ بَلْ مَعْنَاهُ وَفِي الصَّوْمِ خَيْرَاتٌ لَكُمْ وَمَنَافِعُ دِينًا وَدُنْيَا مَعَ أَنَّ كَوْنَهُ نَاسِخًا لِلِافْتِدَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ نَصًّا فِي تَعْيِينِ الصَّوْمِ بَلْ الظُّهُورُ فِيهِ كَافٍ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَكَوْنُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَفْقَهَ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ فِي مُقَابَلَةِ ابْنِ الْأَكْوَعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ ابْنِ عُمَرَ إذْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَلَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ لَقِيَهُمْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ عَلَى أَنَّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَلْقَمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَافْتَدَى وَأَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا حَتَّى نَزَلَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا (وَالْوَجْهُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ الْوُجُوبَ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ (لَيْسَ بِنَسْخٍ) أَيْ بِمَنْسُوخٍ (أَصْلًا عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي فِدَاءِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) فَإِنَّ الْوُجُوبَ هُنَا لَمْ يَرْتَفِعْ كَمَا لَمْ يَرْتَفِعْ ثَمَّةَ. لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - أَنْ يَقُولَ عَلَى ضِدِّ وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي فِدَاءِ الذَّبِيحِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِبَدَلِ مُتَعَلِّقِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْقُطُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا وَثَمَّةَ صَارَ الْوُجُوبُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِبَدَلِ مُتَعَلِّقِهِ قَطْعًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى مُتَعَلِّقِهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، ثُمَّ هُوَ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ. نَعَمْ عَدَمُ نَسْخِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْعَاجِزِ مِنْ شَيْخٍ وَشَيْخَةٍ بِالْفِدْيَةِ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا ثَمَّةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَرَجْمُ الزَّوَانِي) إنْ كُنَّ مُحْصَنَاتٍ (وَجَلْدُهُنَّ) إنْ كُنَّ غَيْرَ مُحْصَنَاتٍ (بَعْدَ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ) فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] إلَى قَوْلِهِ {سَبِيلا} [النساء: ١٥] قَالَ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَمُوتَ إلَى أَنْ نَزَلَتْ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] قَالَ فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا بِالسُّنَّةِ فَهُوَ سَبِيلُهُنَّ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ وَلَا يَضُرُّ مَا فِيهِ لِتَضَافُرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَالرَّجْمُ أَثْقَلُ مِنْ الْحَبْسِ (قَالُوا) أَيْ الشَّاذُّونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨] وَالْأَثْقَلُ إلَى الْأَثْقَلِ لَيْسَ تَخْفِيفًا فَلَا يُرِيدُهُ تَعَالَى (أُجِيبُ بِأَنَّ سِيَاقَهَا) أَيْ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّخْفِيفِ (فِي الْمَآلِ) أَيْ الْمَعَادِ (وَفِيهِ) أَيْ الْمَآلِ (يَكُونُ) التَّخْفِيفُ (بِالْأَثْقَلِ فِي الْحَالِ، وَلَوْ سُلِّمَ) الْعُمُومُ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ (كَانَ) الْعُمُومُ (مَخْصُوصًا بِالْوُقُوعِ) كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا كَمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِخُرُوجِ أَنْوَاعِ التَّكَالِيفِ الثَّقِيلَةِ الْمُبْتَدَأَةِ وَأَنْوَاعِ الِابْتِلَاءِ فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ مِمَّا هُوَ وَاقِعٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى.

(وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْ الشَّاذِّينَ (بِنَاءٌ عَلَى مَا نَفَيْنَاهُ) أَيْ عَلَى وِزَانِ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَيْسَ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ فِيهَا فِي الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَمْ يُحِيلُوهُ عَقْلًا حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا مَا يُفِيدُهُ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرُوا مَا يُفِيدُهُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا هُنَا وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الْمُخَالِفُ عَقْلًا إلَى ذِكْرِ مُسْتَنَدٍ لَهُ يُفِيدُ دَعْوَاهُ وَلَوْ ظَاهِرًا وَهُوَ بَعِيدٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.

(قَالُوا) أَيْ الشَّاذُّونَ ثَانِيًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] الْآيَةَ) فَيَجِبُ الْأَخَفُّ لِأَنَّهُ الْخَيْرُ، أَوْ الْمُسَاوِي لِأَنَّهُ الْمِثْلُ، وَالْأَشَقُّ لَيْسَ بِخَيْرٍ وَلَا مِثْلٍ (أُجِيبُ بِخَيْرِيَّةِ الْأَثْقَلِ عَاقِبَةً) أَيْ بِأَنَّ الْأَثْقَلَ خَيْرٌ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ إذْ لَعَلَّهُ فِيهِ أَكْثَرُ قَالَ تَعَالَى {لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ} [التوبة: ١٢٠] الْآيَةَ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ فِي الْعُمْرَةِ وَاخْرُجِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي ثُمَّ ائْتِنَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِك» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَكَمَا يَقُولُ الطَّبِيبُ لِلْمَرِيضِ الْجُوعُ خَيْرٌ لَك (أَوْ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْخَيْرِيَّةُ لَفْظًا.

[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ]

(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (كَآيَةِ عِدَّةِ الْحَوْلِ بِآيَةِ الْأَشْهُرِ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (وَالْمُسَالَمَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>