صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَمَا أُقِيمَ مِنْ دَلِيلٍ مُقَامَ مَدْلُولِهِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ الْمَحَبَّةِ) فِي إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لِوُجُودِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إخْبَارِهَا عَنْ حُبِّهَا لَهُ مَعَ انْتِفَاءِ وَضْعِهِ لَهُ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ الدَّلِيلُ مُقَامَ الْمَدْلُولِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ ثُمَّ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَلَكِنَّهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَتْ عَنْ الْمَحَبَّةِ خَارِجَ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّخْيِيرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَى إخْبَارِهَا وَالتَّخْيِيرَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْأَخْبَارِ يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَصَارَ الشَّرْطُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَحَبَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْعِلَّةِ حُكْمًا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّهُ مِنْ تَخْرِيجِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ]
(الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (اسْتَلْزَمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِهَا اشْتِرَاطَ الظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ) أَيْ كَوْنِهَا وَصْفًا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا فِي نَفْسِهِ (وَمَظِنِّيَّةَ الْحِكْمَةِ) أَيْ وَكَوْنِهَا مَظِنَّةً لِلْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهَا (أَوَّلًا أَوْ بِوَاسِطَةِ مَظِنَّةٍ أُخْرَى فَلَزِمَتْ الْمُنَاسَبَةُ) أَيْ كَوْنُهَا مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ (وَعَدَمُ الطَّرْدِ) أَيْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهَا كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ (وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا يَكُونَ عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ لِطَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ (وَغَيْرِهِمْ) كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَى الْجُمْهُورِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ مَذْهَبُهُمْ (الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ كَوْنِهَا عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ كَقَلْبِهِ اتِّفَاقًا (قِيلَ وَجَوَازُ) تَعْلِيلِ (الْعَدَمِيِّ بِهِ) أَيْ بِالْعَدَمِيِّ كَعَدَمِ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ (اتِّفَاقٌ) ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ (النَّافِي) لِتَعْلِيلِ الْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ (الْعِلَّةُ) هِيَ الْأَمْرُ (الْمُنَاسِبُ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ (أَوْ مَظِنَّتِهِ) أَيْ الْمُنَاسِبُ إذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ بِحَسَبِ أَنْ يَكُونَ بَاعِثًا بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ وَأَنَّ الْبَاعِثَ مُنْحَصِرٌ فِي الْمُنَاسِبِ وَمَظِنَّتِهِ وَهُوَ مَا يُلَازِمُهُ (وَالْعَدَمُ الْمُطْلَقُ ظَاهِرٌ) أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ وَلَا مَظِنَّتُهُ بَلْ نِسْبَتُهُ إلَى جَمِيعِ الْمُحَالِ وَالْأَحْكَامِ سَوَاءٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً.
(وَ) الْعَدَمُ (الْمُضَافُ إمَّا) مُضَافٌ (إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ إلَى شَيْءٍ فِي شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ (مَصْلَحَةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ (مَانِعٌ) مِنْ الْحُكْمِ لِعَدَمِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمُ الْمَصْلَحَةِ مَانِعٌ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ عَدَمُهُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ وَلَا مَظِنَّتُهُ مُنَاسِبٌ لَهُ فَإِنَّ مَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لَهُ (أَوْ) مُضَافٌ إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ مَعَهُ (مَفْسَدَةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ إلَيْهِ (عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ مُنَاسِبًا وَلَا مَظِنَّةً مُنَاسِبٌ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ مُقْتَضٍ يُقَالُ أَعْطَاهُ لِعِلْمِهِ أَوْ لِفَقْرِهِ وَلَوْ قِيلَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عُدَّ سُخْفًا لَكِنْ قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ مُنْشِئًا لِمَصْلَحَةٍ وَدَافِعًا لِمَفْسَدَةٍ تَنْشَأُ مِنْ وُجُودِهِ فَيَكُونُ مُقْتَضِيًا وَعَدَمًا لِلْمَانِعِ وَمِثْلُهُ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ (أَوْ) إلَى (مُنَافٍ مُنَاسِبٍ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ (حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ الْمُنَاسِبَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ (الْمُنَاسِبَ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْعَدَمِ الْحِكْمَةُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَكُونُ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الْمُنَاسِبِ (ثُمَّ لَا يَصْلُحُ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ مَظِنَّةً لِلْمُنَاسِبِ (لِأَنَّ مَا) أَيْ الْمُنَاسِبَ الَّذِي (هُوَ) أَيْ الْعَدَمُ (مَظِنَّةٌ لَهُ) أَيْ لِلْمُنَاسِبِ (إنْ كَانَ) وَصْفًا مُنْضَبِطًا (ظَاهِرًا) بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (أَغْنَى) بِنَفْسِهِ عَنْ الْمَظِنَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَدَمُ فَكَانَ هُوَ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ (أَوْ) كَانَ (خَفِيًّا فَنَقِيضُهُ وَهُوَ مَا عَدَمُهُ مَظِنَّةٌ خَفِيٌّ) أَيْضًا (لِاسْتِوَاءِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً) وَالْخَفِيُّ لَا يَصْلُحُ مَظِنَّةً لِلْخَفِيِّ لِأَنَّ الْخَفِيَّ لَا يَعْرِفُ الْخَفِيَّ وَقَدْ تَعَقَّبَ هَذَا بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ اخْتِلَافِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً لِتَكْرَارٍ وَإِلْفٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ وَكَيْفَ وَالْمَلَكَاتُ أَجْلَى مِنْ الْإِعْدَامِ.
(أَوْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute