للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] (كَحِرْمَانِهِ الْإِرْثَ بِهِ) أَيْ بِكُفْرِهِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِرْثِ مِنْهُ (لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِسَبَبِيَّةِ الْإِرْثِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ زَكَرِيَّاءَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥] {يَرِثُنِي} [مريم: ٦] وَالْكَافِرُ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّتُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] (كَالرَّقِيقِ) أَيْ كَمَا يَحْرُمُ الْمَرْقُوقُ وَافِرًا كَانَ الرِّقُّ فِيهِ أَوْ نَاقِصًا بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ الْإِرْثَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ سَبَبِيَّتِهِ فَلَا يَكُونُ انْتِفَاءُ الْإِرْثِ فِيهِمَا جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِمَا بَلْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ سَبَبِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ اتِّصَالُ الشَّخْصِ بِالْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ وَلَاءٍ وَمِثْلُهُ لَا يُعَدُّ جَزَاءً أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبُ إرْثٍ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَرِثُهُ وَلَا يُقَالُ حِرْمَانُهُ جَزَاءٌ بَلْ لَمْ يُشْرَعْ الْإِرْثُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ سَبَبِهِ

[الْجُنُونُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

(وَأَمَّا الْجُنُونُ) وَهُوَ اخْتِلَالٌ لِلْعَقْلِ مَانِعٌ مِنْ جَرَيَانِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ عَلَى نَهْجِهِ إلَّا نَادِرًا إمَّا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ خِلْقَةً فَلَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ مَا أُعِدَّ لِقَبُولِهِ مِنْ الْفِعْلِ كَعَيْنِ الْأَكْمَهِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِغَالِ بِعِلَاجِهِ وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ مِنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ وَآفَةٍ مِنْ رُطُوبَةٍ مُفْرِطَةٍ أَوْ يُبُوسَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ وَهَذَا مِمَّا يُعَالَجُ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَإِمَّا بِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَإِلْقَاءِ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا قَدْ يَنْجِعُ فِيهِ الْأَدْوِيَةُ الْإِلَهِيَّةُ (فَيُنَافِي شَرْطَ الْعِبَادَاتِ النِّيَّةَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَاتِ لِسَلْبِهِ الِاخْتِيَارَ (فَلَا تَجِبُ) الْعِبَادَاتُ مُطْلَقًا (مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِزَمَنِ الصِّبَا بِأَنْ جُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا وَالْعَارِضِيُّ وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ أَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ بِلَا عَقْلٍ وَلَا قَصْدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مُنَافٍ لَهُمَا وَأَمَّا أَصْلُ الْوُجُوبِ فَلِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ إمْكَانِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَمَا لَا يَمْتَدُّ) مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (طَارِئًا) عَلَيْهِ (جُعِلَ كَالنَّوْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (عَارِضٌ يَمْنَعُ فَهْمَ الْخِطَابِ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ) مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَلَا يُنَافِي كُلَّ عِبَادَةٍ لَا يُؤَدِّي إيجَابُهَا إلَى الْحَرَجِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَ زَوَالِهِ كَالنَّوْمِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْجُنُونَ (لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ مُتَعَلِّقٌ (بِالذِّمَّةِ، وَهِيَ) أَيْ الذِّمَّةُ مَوْجُودَةٌ (لَهُ) أَيْ لِلْمَجْنُونِ (حَتَّى وَرِثَ) مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ (وَمَلَكَ) مَا تَحَقَّقَ لَهُ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ مَالٍ أَوْ حَقٍّ مَالِيٍّ وَالْإِرْثُ وَالْمِلْكُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ بِدُونِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ يَنْعَدِمُ الْوُجُوبُ.

(وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ الْجُنُونِ وَالْمُسْلِمُ يُثَابُ وَالثَّوَابُ مِنْ أَحْكَامِ الْوُجُوبِ أَيْضًا (كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ فَجُنَّ فِيهِ) أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُمْسِكًا كُلِّهِ صَحَّ فَلَا يَقْضِي) ذَلِكَ الْيَوْمَ (لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْغَدِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا حَرَجَ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ ثَابِتًا تَقْدِيرًا بِتَوَهُّمِهِ فِي الْوَقْتِ وَقَضَائِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْحَقَ الْعَارِضَ مِنْ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ بِالْعَدَمِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ حَيْثُ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِمَا وَعُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ أَلْحَقُوا الْعَارِضَ مِنْ الْجُنُونِ بِالْعَدَمِ بَعْدَ زَوَالِهِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ وَجَعَلُوا السَّبَبَ الْمَوْجُودَ فِيهِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ إيجَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَارِضِ فَكَانَ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَانِعًا لِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ عَارِضِيًّا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِزَوَالِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ وَعَدَمِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنَافِيَانِ الْعَقْلَ وَلَا يُزِيلَانِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِمَا الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ آلَةِ الْقُدْرَةِ فَكَانَ الْعَقْلُ ثَابِتًا كَمَا كَانَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ.

(وَصَحَّ إسْلَامُهُ تَبَعًا) لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَالصَّبِيِّ (وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ لِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَ أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ (بِخِلَافِهِ) (أَيْ الْإِسْلَامِ) (أَصَالَةً) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>