للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُطْلَقُ الْمُبَاحُ أَيْضًا (عَلَى مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا) بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ وَهِيَ الْإِبَاحَةُ الشَّرْعِيَّةُ (وَكِلَاهُمَا) أَيْ الْمُتَعَلِّقَيْنِ إنَّمَا يُعْرَفَانِ (بَعْدَ الشَّرْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّنَزُّلِ، وَفِي ذَلِكَ تَحْرِيرٌ أَوْرَدْنَاهُ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ.

(أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْمُبَاحِ عِنْدَهُمْ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ (وَالْعَقْلِيَّةِ) وَمُتَعَلِّقُهَا عِنْدَهُمْ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الَّتِي يُدْرِكُ الْعَقْلُ عَدَمَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا خِطَابٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ بِعَدَمِ الْحَرَجِ فِي فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا (وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ جَوَازَ إطْلَاقِ الْمُبَاحِ شَرْعًا عَلَى مُتَعَلِّقِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ (خِلَافًا فِي أَنَّ لَفْظَ الْمُبَاحِ هَلْ يُطْلَقُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَحْرِيرِ التَّفْتَازَانِيِّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْمُبَاحَ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مَا انْتَفَى الْحَرَجُ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَعِنْدَنَا مَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الشَّارِعِ بِذَلِكَ بِهِ (فَلَا حَاصِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ) بِالشَّرْعِ (الشَّارِعَ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ) أَيْ لِلشَّارِعِ (اصْطِلَاحٌ فِي الْمُبَاحِ أَوْ) أَرَادَ بِهِ (أَهْلَ الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيَّ فَلَا خِلَافَ بُرْهَانِيًّا) بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ (وَيُرَادِفُ الْمُبَاحَ) بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى تَخْيِيرًا بَيْنَ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ عَلَى السَّوَاءِ (الْجَائِزُ وَيَزِيدُ) الْجَائِزُ عَلَيْهِ فِي الْإِطْلَاقِ (بِإِطْلَاقِهِ) أَيْ الْجَائِزِ (عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا) أَيْ مَا لَا يَحْرُمُ شَرْعًا (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (وَاجِبًا وَمَكْرُوهًا) أَيْ أَوْ مَكْرُوهًا فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَعَقْلًا) أَيْ وَعَلَى مَا لَا يُمْتَنَعُ عَقْلًا وَهُوَ الْمُمْكِنُ الْعَامُّ سَوَاءٌ كَانَ (وَاجِبًا أَوْ رَاجِحًا أَوْ قَسِيمَيْهِ) أَيْ الرَّاجِحِ وَهُمَا الْمَرْجُوحُ وَالْمُسَاوِي وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى مَا اسْتَوَى شَرْعًا أَوْ عَقْلًا فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَخَصُّ مِنْ الثَّانِي مُطْلَقًا وَمِنْ الثَّالِثِ مِنْ وَجْهٍ إذَا حُمِلَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ عَقْلًا عَلَى الْمُمْكِنِ الْخَاصِّ الَّذِي نِسْبَةُ مَاهِيَّتِه إلَى الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ سَوَاءٌ كَمَا فِي عَدَمِ الِاقْتِضَاءِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَرِدْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ.

وَعَلَى مَا يَشُكُّ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ فِي الشَّرْعِ أَوْ فِي الْعَقْلِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَعَدَمِ الِامْتِنَاعِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ فِيهِمَا بِالِاعْتِبَارَيْنِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ شَرْعًا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ مَا تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ يَقْتَضِي كُلٌّ مِنْهُمَا نَقِيضَ الْآخَرِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي نَظَرِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَيَقُولُ الْحُكْمُ فِيهِ إمَّا هَذَا أَوْ ذَاكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّابِعِ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ هُنَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُنَاكَ فِي حُكْمِ الشَّارِعِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْغَزَالِيُّ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ لَا دَلِيلَانِ مُتَقَابِلَانِ ثَانِيهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ الشَّرْعِيِّ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ مَا دَلَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَامْتَنَعَ عَدَمُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ امْتِنَاعُ عَدَمِهِ فَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ فَعَدَمُ امْتِنَاعِ نَقِيضِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ ثَالِثُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ عَقْلًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ رَابِعُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِيِّ اهـ مُخْتَصَرًا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِانْدِرَاجِهِ فِيمَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا وَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَقَوْلُهُ (كَمَا يُقَالُ الْمَشْكُوكُ عَلَى الْمَوْهُومِ) صَحِيحٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي تَشْبِيهِ مَا تَقَدَّمَهُ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ نَعَمْ أَشَارَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ إلَى مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا يُقَالُ عَلَى مَا يَسْتَوِي طَرَفَاهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ وَعَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ كَذَلِكَ يُقَالُ الْجَائِزُ عَلَيْهَا وَهَذَا التَّشْبِيهُ ظَاهِرُ الْوَجْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ نَفْيِ الْكَعْبِيِّ الْمُبَاحَ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ]

(مَسْأَلَةُ نَفْيِ الْكَعْبِيِّ الْمُبَاحَ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُبَاحَ (تَرْكُ حَرَامٍ) فَإِنَّ السُّكُوتَ تَرْكٌ لِلْقَذْفِ وَالسُّكُونَ تَرْكٌ لِلْقَتْلِ (وَتَرْكُهُ) أَيْ الْحَرَامِ (وَاجِبٌ وَلَوْ) كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا (مُخَيَّرًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>