للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَبِ، وَالْجَدِّ يَعْنِي الصَّحِيحَ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا بِبُلُوغٍ فِي تَزْوِيجِ أَحَدِهِمَا إيَّاهَا لِكَمَالِ رَأْيِهِمَا وَوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ سِوَاهُمَا، وَقَدْ شَمِلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ الْأُمَّ، وَالْقَاضِيَ حَيْثُ كَانَتْ لَهَا وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِ لِعَدَمِ كَمَالِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَعَدَمِ وُفُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْقَاضِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ]

(مَسْأَلَةُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي) وَاقِعَةٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِيهَا إلَى (حُكْمٍ مَمْنُوعٍ مِنْ التَّقْلِيدِ) لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْوَاقِعَةِ (اتِّفَاقًا) لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ اجْتِهَادِهِ (وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ فِي تَقْلِيدِهِ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ (قَبْلَهُ) أَيْ اجْتِهَادِهِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ (مَمْنُوعٌ) مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فِيهَا مُطْلَقًا مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَيُشْكِلُ عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ وَتَفَرَّقُوا ثُمَّ أُخْبِرَ بِوُجُودِ فَأْرَةٍ مَيِّتَةٍ فِي بِئْرِ حَمَّامٍ اغْتَسَلَ مِنْهُ فَقَالَ: نَأْخُذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا انْتَهَى (وَمَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ) مَمْنُوعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ (إلَّا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ) الِاجْتِهَادُ فِي الْوَاقِعَةِ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا بَلْ يَتَعَيَّنُ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ هَذَا قَوْلًا آخَرَ كَمَا عَدُّوهُ ثُمَّ الَّذِي حَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَجْهُ الِاجْتِهَادِ هَذَا وَيَظْهَرُ أَنَّ خَوْفَ فَوْتِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْحَادِثَةِ مِنْ أَسْبَابِ تَعَذُّرِ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ نَقْلَهُ بِخُصُوصِهِ عَنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ جَزْمُ السُّبْكِيّ بِمَنْعِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَوْفُ فَوْتِ الْعَمَلِ بِالْحَادِثَةِ أَصْلًا مِنْ أَسْبَابِ تَعَذُّرِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا قَوْلًا آخَرَ وَيَسْتَسْمِعَ خِلَافَ الْأَوَّلِ أَيْضًا.

(وَقِيلَ لَا) يُمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ تَمَسُّكَاتِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَزَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ إلَى أَحْمَدَ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: وَلَا يُعْرَفُ (وَقِيلَ) يُمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ (فِيمَا يُفْتِي بِهِ) غَيْرُهُ (لَا فِيمَا يَخُصُّهُ) أَيْ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ الِاجْتِهَادِ تَحْصِيلَ رَأْيٍ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِعِلْمِهِ لَا فِيمَا يُفْتِي بِهِ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمُجْتَهِدِ بِحَيْثُ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ، وَهَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ (وَقِيلَ) يُمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ (فِيهِ) أَيْ فِيمَا يَخُصُّهُ (أَيْضًا إلَّا إنْ خَشِيَ الْفَوْتَ كَأَنْ ضَاقَ وَقْتُ صَلَاةٍ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاتِهِ (يُفَوِّتُهَا) ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا آخَرَ وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالِاجْتِهَادِ فِيهَا، وَهُوَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ.

(وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ) إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُقَلِّدُ) مُجْتَهِدًا (أَعْلَمَ مِنْهُ) لَا أَدْوَنَ مِنْهُ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَالرُّويَانِيُّ وَإِلْكِيَا قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ (وَالشَّافِعِيُّ) فِي الْقَدِيمِ (وَالْجُبَّائِيُّ) وَابْنُهُ أَيْضًا قَالُوا (يَجُوزُ) تَقْلِيدُ غَيْرِهِ (إنْ) كَانَ الْغَيْرُ (صَحَابِيًّا رَاجِحًا) فِي نَظَرِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ خَالَفَ مِنْ الصَّحَابَةِ (فَإِنْ اسْتَوَوْا) أَيْ الصَّحَابَةُ فِي الدَّرَجَةِ فِي نَظَرِهِ وَاخْتَلَفَتْ فَتْوَاهُمْ (تَخَيَّرَ) فَيُقَلِّدُ أَيَّهُمْ شَاءَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ عَدَاهُمْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلصَّحَابَةِ تَقْلِيدُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (وَهَذَا) مِنْ الشَّافِعِيِّ (رِوَايَةٌ عَنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ) وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي رِسَالَتِهِ الْقَدِيمَةِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عَدَمُ جَوَازِ تَقْلِيدِهِ لِلْغَيْرِ مُطْلَقًا.

وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا غَيْرِهِمَا مُطْلَقًا وَنَقَلَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا بَعْدَهُمْ غَيْرَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاسْتَغْرَبَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (وَقِيلَ) يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِلْغَيْرِ صَحَابِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>