للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ مَا نَصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ التَّأْوِيلِ الْقَدِيمِ، وَأَمَّا إحْدَاثُ الْجَدِيدِ فَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْقَدْحُ فِي الْقَدِيمِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَفْسِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ وَفَسَّرَهُ بِمَعْنَاهُ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَيَيْهِ جَمِيعًا وَصِحَّةُ الْجَدِيدِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْقَدِيمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الْقَدْحُ جَازَ فَلِمَ لَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ بِمَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ وَبِمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَدْحُ فِي الْأَوَّلِ قُلْت كَأَنَّهُ لِلْعِلْمِ بِإِرَادَتِهِ لِلُزُومِ تَخْطِئَةِ الْأُمَّةِ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ تَقْدِيرُهُ كَمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ آخَرُونَ بِمَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى صِحَّةِ إحْدَاثِهِ أَيْضًا لِلْعِلْمِ بِجَوَازِ مَا نَصُّوا عَلَى صِحَّتِهِ اتِّفَاقًا إذْ لَا تَخْطِئَةَ لِلْأُمَّةِ فِيهِ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا سَكَتُوا فِيهِ عَنْ الْأَمْرَيْنِ فَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ نَصًّا جَازَ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَا، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ إنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا يَجُوزُ لِجَوَازِ اشْتِبَاهِهِ عَلَى الْأَوَّلِينَ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ لَا، لَنَا) أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ (قَوْلٌ) عَنْ اجْتِهَادٍ (لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ لَيْسَ قَوْلًا بِالْعَدَمِ) فَجَازَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِجَوَازِهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ (بِخِلَافِ عَدَمِ التَّفْصِيلِ) فِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِمَا (فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ) فَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُفَصَّلَ فِيهَا يُخَالِفُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى (لِأَنَّهُ) أَيْ أَحَدَ صَاحِبَيْ الْقَوْلَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ (يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّفْصِيلُ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ) أَيْ التَّفْصِيلِ (بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّفْصِيلُ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِخَطَئِهِ إلَخْ (وَكَذَا) الْمُطْلِقُ (الْآخَرُ) يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّفْصِيلُ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ بِمَا ذَكَرْنَا (فَيَلْزَمُ) مِنْ الْإِحْدَاثِ لَهُ (خَطَؤُهُمْ) أَيْ الْأُمَّةِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ قَوْلٌ بِالْعَدَمِ (وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَجُزْ) إحْدَاثُ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ (لَأَنْكَرَ) إحْدَاثَهُ (حِينَ وَقَعَ) ضَرُورَةَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْكِرُوهُمْ لَا يَسْكُتُونَ عَنْهُ (لَكِنْ) لَمْ يُنْكِرْ بَلْ (كُلُّ عَصْرٍ بِهِ يَتَمَدَّحُونَ) وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ فَضْلًا فَكَانَ إجْمَاعًا قَالَ مَانِعُو جَوَازِهِ أَوَّلًا هُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ السَّابِقُ وَهَذَا الْحَادِثُ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ بِالْآيَةِ. قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ كَمَا قَالَ (وَاتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ اتِّبَاعُ خِلَافِ مَا قَالُوهُ) مُتَّفِقِينَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْمُغَايَرَةِ (لَا مَا لَمْ يَقُولُوهُ) وَهَذَا مَا لَمْ يَقُولُوهُ، ثُمَّ إنَّ الْمُحْدِثَ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ دَلِيلَ الْأَوَّلِينَ وَلَا تَأْوِيلَهُمْ، وَإِنَّمَا ضَمَّ دَلِيلًا وَتَأْوِيلًا إلَى دَلِيلِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمْ.

(قَالُوا) أَيْ مَانِعُو جَوَازِهِ ثَانِيًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: ١١٠] أَيْ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِتَعَرُّفِهِ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ الْمُفِيدَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ (فَلَوْ كَانَ) الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ الْمُحْدَثُ (مَعْرُوفًا أُمِرُوا) أَيْ الْأَوَّلُونَ (بِهِ) ضَرُورَةً لَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَلَمْ يَجُزْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ (عُورِضَ لَوْ كَانَ) الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ الْمُحْدَثُ (مُنْكَرًا لَنَهَوْا عَنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤] أَيْ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِتَعَرُّفِهِ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ الْمُفِيدَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْا عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا بَلْ مَعْرُوفًا، ثُمَّ فِي الْمُلَخَّصِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِيمَا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى كَذَا إلَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الدَّلِيلُ الثَّانِي مِمَّا تَتَغَيَّرُ دَلَالَتُهُ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ دَلِيلًا مِثْلَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْخُصُوصِ أَوْ يَنْقُلَهُ إلَى الْمَجَازِ أَوْ النَّسْخِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا لَا يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا، ثُمَّ هَلْ يَجْرِي التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى مَجْرَى الدَّلِيلِ فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فَأَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَسُلَيْمٌ نَعَمْ هِيَ كَالدَّلِيلِ فِي جَوَازِ إحْدَاثِهَا إلَّا إذَا قَالُوا لَا عِلَّةَ إلَّا هَذِهِ أَوْ تَكُونُ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ الْأُولَى فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ حِينَئِذٍ فَاسِدَةً، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إنْ كَانَ لِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِعِلَّتَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا يُمْنَعُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُمْ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ]

(مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ) أَيْ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ إذْ رُتْبَةُ الِاسْتِقْلَالِ بِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لَيْسَتْ لِلْبَشَرِ (وَإِلَّا) لَوْ جَازَ الْإِجْمَاعُ لَا عَنْ مُسْتَنَدٍ (انْقَلَبَتْ الْأَبَاطِيلُ صَوَابًا أَوْ أُجْمِعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>