عَلَى خَطَأٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (قَوْلُ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ (وَقَوْلُ كُلٍّ بِلَا دَلِيلٍ مُحَرِّمٌ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلشَّرْعِ بِالتَّشَهِّي وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَوْنُهُ بِلَا مُسْتَنَدٍ بَاطِلٌ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا لُزُومُ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ وَبُطْلَانُهُ إلَّا أَنَّ (لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ) ذِكْرُ أَحَدِ اللَّازِمَيْنِ كَافٍ لِعَدَمِ انْفِكَاكِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ انْقِلَابَ الْبَاطِلِ صَوَابًا بِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعٌ عَلَى خَطَأٍ كَمَا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْخَطَأِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ انْقِلَابُ الْبَاطِلِ صَوَابًا فَلْيُتَأَمَّلْ (وَاسْتَدَلَّ) لِهَذَا الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ (يَسْتَحِيلُ) الْإِجْمَاعُ (عَادَةً مِنْ الْكُلِّ لَا لِدَاعٍ) يَدْعُو إلَى الْحُكْمِ مِنْ دَلِيلٍ أَوْ أَمَارَةٍ (كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ) أَيْ كَاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ وَاحِدٍ (وَيُدْفَعُ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي دَلِيلًا شَرْعِيًّا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (بِخَلْقِ الضَّرُورِيِّ) أَيْ بِسَبَبِ خَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ عِنْدَهُمْ بِهِ فَيَصْدُرُ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ وَهُوَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَالْمُسْتَنَدُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا (وَيَصْلُحُ) هَذَا الدَّفْعُ.
(جَوَابَ الْأَوَّلِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ (أَيْضًا إذْ الضَّرُورِيُّ حَقٌّ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعَ (فَرْضٌ غَيْرَ وَاقِعٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى خَاطَبَ بِكَذَا لَا يَثْبُتُ ضَرُورَةً عَقْلِيَّةً بَلْ بِالسَّمْعِ) وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ (وَلَوْ أُلْقِيَ فِي الرُّوعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ الْقَلْبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُجَوَّزِينَ بِقَوْلِهِمْ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَفِّقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِاخْتِيَارِ الصَّوَابِ (فَإِلْهَامٌ) وَهُوَ (لَيْسَ حُجَّةً إلَّا عَنْ نَبِيٍّ قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ (لَوْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ عَنْ سَنَدٍ (لَمْ يُفِدْ الْإِجْمَاعُ) لِلِاسْتِغْنَاءِ بِالسَّنَدِ عَنْهُ (أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ حِينَئِذٍ (التَّحَوُّلُ) لِلْحُكْمِ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا مِنْ الْأَحْكَامِ الظَّنِّيَّةِ (إلَى الْأَحْكَامِ الْقَطْعِيَّةِ) وَهُوَ سُقُوطُ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَكَيْفِيَّةُ دَلَالَتِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ طَلَبُ الدَّلِيلِ الَّذِي صَدَرَ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ بَلْ إنْ ظَهَرَ أَوْ نُقِلَ إلَيْهِ كَانَ أَحَدَ أَدِلَّةِ الْمَسْأَلَةِ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ نَفْيَ فَائِدَةِ الْإِجْمَاعِ عَنْ دَلِيلٍ (يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ نَفْيِ الْمُسْتَنَدِ) لِإِيجَابِهِ عَدَمَ انْعِقَادِهِ عَنْ دَلِيلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِوُجُوبِ كَوْنِهِ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْمُسْتَنَدُ لَا يَجِبُ لَا إنَّ عَدَمَهُ يَجِبُ (ثُمَّ يَجُوزُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَنَدِ (قِيَاسًا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ) وَابْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَاسْتُغْرِبَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْعَ الظَّاهِرِيَّةِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي مَنْعِ الْقِيَاسِ وَهُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى عَكْسِ هَذَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي خَاتِمَةِ الْمَسْأَلَةِ.
(وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (يُجَوِّزُهُ) أَيْ كَوْنَهُ عَنْ قِيَاسٍ عَقْلًا وَيَقُولُ (وَلَمْ يَقَعْ لَنَا مَانِعٌ يُقَدَّرُ) فِي عَدَمِ كَوْنِ الْقِيَاسِ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ (إلَّا الظَّنِّيَّةَ) أَيْ كَوْنَهُ دَلِيلًا ظَنِّيًّا ظَنًّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ حَيْثُ كَانَ أَصْلًا قَطْعِيًّا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَعْصُومًا عَنْ الْخَطَأِ لَا يَكُونُ مُسْتَنِدًا إلَى ظَنِّيٍّ مُعَرَّضٍ لِلْخَطَأِ غَيْرِ مَعْصُومٍ عَنْهُ إذْ الْمُجْتَهِدُ قَدْ يُخْطِئُ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَوْنُ فَرْعِ الشَّيْءِ أَقْوَى مِنْهُ (وَلَيْسَتْ) الظَّنِّيَّةُ لِلدَّلِيلِ (مَانِعَةً) مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ (كَالْآحَادِ) أَيْ كَخَبَرِ الْآحَادِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ قَالَ فِي الْبَدِيعِ وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ بَلْ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْكُتُبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْمِيزَانِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ وَالْقَاشَانِيِّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَفِي أُصُولِ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ ابْنُ جَرِيرٍ يَقُولُ الْإِجْمَاعُ الْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ قَطْعًا لَا يَصْدُرُ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا عَنْ قِيَاسٍ وَعَلَى هَذَا فَيَنْتَفِي احْتِجَاجُ ابْنِ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَافَقَ عَلَى وُقُوعِهِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ فَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ، ثُمَّ مَنَعَ كَوْنَ الْقِيَاسِ الَّذِي يَسْتَنِدُ الْإِجْمَاعُ ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ سَبَقَهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقِيَاسُ ظَنِّيًّا بَلْ قَطْعِيًّا لِوُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهِ فَيَكُونُ إسْنَادُ الْإِجْمَاعِ إلَى قَطْعِيٍّ لَا إلَى ظَنِّيٍّ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ. قُلْت إلَّا أَنَّ فِي هَذَا تَأَمُّلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا عُلِمَ انْعِقَادُهُ لِدَلِيلٍ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى الْحُكْمِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَطْلُوبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فَيَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّلِيلِ. قَالُوا وَمِمَّا يُبْتَنَى عَلَيْهِ لَوْ انْعَقَدَ عَلَى مُوجَبِ خَبَرٍ فَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ يَكُونُ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ وَعِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute