للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمْهُورِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ طَرِيقًا مَخْصُوصًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ النَّقْلُ فَيُطْلَبُ صِحَّتُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لَكِنَّ نَقْلَ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ جَوَازِ انْعِقَادِهِ عَنْ جَلِيِّ الْقِيَاسِ دُونَ خَفِيِّهِ (وَ) قَدْ (وَقَعَ قِيَاسُ الْإِمَامَةِ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيَاسًا (عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ) لَهُ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيَّنَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ» حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ وَافَقْنَا مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طِيبَ نَفْسٍ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ سَمَّاهُ اللَّهُ الصِّدِّيقَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ رَضِيَهُ لِدِينِنَا فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا.

(وَفِيهِ) أَيْ وَفِي كَوْنِ هَذَا مِمَّا مُسْتَنَدُهُ الْقِيَاسُ (نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةَ (أَثْبَتُوهُ) أَيْ كَوْنَ أَبِي بَكْرٍ إمَامًا فِي الْكُبْرَى (بِأَوْلَى) كَمَا يُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ وَخُصُوصًا الْأَخِيرَ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمُفِيدَةُ لَهُ هِيَ (الدَّلَالَةُ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى النَّصِّ (لَكِنْ) وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مُسْتَنِدًا إلَى الْقِيَاسِ فِي غَيْرِ هَذَا وَهُوَ (حَدُّ الشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ فَإِنَّهُ ثَمَانُونَ لِلْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قِيَاسًا (عَلَى الْقَذْفِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) كَمَا يُفِيدُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ نَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَشَارَ بِذَلِكَ فَرَوَى الْحَدِيثَ مَرَّةً مُقْتَصِرًا عَلَى هَذَا وَمَرَّةً عَلَى هَذَا، ثُمَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَيَمْنَعُهُ) أَيْ ثُبُوتَ الْحَدِّ بِالْقِيَاسِ (بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) لَكِنَّ الْوَجْهَ إسْقَاطُ بَعْضٍ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ كَمَا يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ فِي مَسْأَلَةٍ عَقِبَ مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْقِيَاسِ وَيُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْمَأْثُورَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِمْ وَنَذْكُرُ ثَمَّةَ مَا يُيَسِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَإِذَا تَمَّ مَنْعُ هَذَا (فَالشَّيْرَجُ النَّجِسُ عَلَى السَّمْنِ فِي الْإِرَاقَةِ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَفْصَحَ بِهِ شَارِحُو كَلَامِهِ وَغَيْرُهُمْ أَيْ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى إرَاقَةِ الشَّيْرَجِ النَّجِسِ الْمَائِعِ قِيَاسًا عَلَى إرَاقَةِ السَّمْنِ النَّجِسِ الْمَائِعِ الْمُسْتَفَادِ مِمَّا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَقَدْ أُعِلَّ بِأَنَّهُ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ كَانَ يَضْطَرِبُ فِي إسْنَادِهِ كَمَا يَضْطَرِبُ فِي مَتْنِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا تَقْرَبُوهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ يُجَوِّزُ الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُجَوِّزُ بَيْعَهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ فِي هَذَا بِالْقِيَاسِ (وَصَرَّحَ مُتَأَخِّرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا بِنَفْيِ قَطْعِيَّةِ الْمُسْتَنَدِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ بَلْ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُهَا) أَيْ الْقَطْعِيَّةَ (كَأَنَّهُ) أَيْ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ (لِنَفْيِ الْفَائِدَةِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ السَّنَدِ قَطْعِيًّا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِ، ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ قَطْعًا وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَالْحُكْمُ بِهِ مَعْلُومٌ لَمْ يَكُنْ فِي انْعِقَادِهِ حُجَّةٌ فَائِدَةٌ وَلَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْعِبَادِ إذْ الشَّرَائِعُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ وَفَائِدَتِهِمْ، ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كَوْنُهُ حُجَّةً دَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ فِي انْعِقَادِهِ فَائِدَةً وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَيَقُّنَ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِمَا وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>