الْمَبَادِئِ) أَيْ، وَعَلَى ثَلَاثِ مَقَالَاتٍ أَوَّلُهَا فِي بَيَانِ التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ مَبَادِئِ هَذَا الْعِلْمِ (وَأَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ) أَيْ وَثَانِيهَا فِي بَيَانِ التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ الرَّاجِعَةِ إلَى أَحْوَالِ مَوْضُوعِ الْعِلْمِ (وَالِاجْتِهَادِ) أَيْ وَثَالِثُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ الِاجْتِهَادِ، وَمَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ التَّقْلِيدُ، وَمَا يَتْبَعُهُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَسَائِلَ الْفَنِّ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْفَنِّ مَا لِلْبَحْثِ فِيهَا رُجُوعٌ إلَى مَوْضُوعِهِ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنْ جَرَتْ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَذْكُرُوهَا عَلَى سَبِيلِ اللَّوَاحِقِ الْمُتَمِّمَةِ لِلْغَرَضِ مِنْهُ إسْعَافًا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ الِاجْتِهَادُ مَعَ مَا يَتْبَعُهُ (مُتَمِّمٌ مَسَائِلَهُ) بَعْضُهَا (فِقْهِيَّةٌ) لِكَوْنِ هَذَا الْبَعْضِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ كَمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِ وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَادِثَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ، وَحَرَامٌ فِي مُقَابَلَةِ قَاطِعِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ إلَى آخِرِ أَقْسَامِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ، وَهُوَ بَذْلُ وُسْعِهِ فِي طَلَبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَكُلٌّ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَبَاقِي مَحْمُولَاتِ أَقْسَامِ مَوْضُوعَاتِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لِمِثْلِ مَا سَنَذْكُرُ) قَرِيبًا.
بَيَانُ الْمَوْضُوعِ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَاتِهَا أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَحْمُولَاتِهَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ جَارٍ فِي بَعْضِ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ الْكَائِنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِمَا سَنَذْكُرُ نَظَرًا إلَى خُصُوصِ الْجُزْئِيَّةِ الْكَائِنِ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ الْخُصُوصِ الْكَائِنِ لِغَيْرِهَا (وَاعْتِقَادِيَّةٌ) أَيْ وَبَعْضُهَا مَسَائِلُ اعْتِقَادِيَّةٌ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى مَا عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَسْأَلَةٍ لَا حُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ، وَمَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ عَقِيدَةٌ دِينِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ غَايَةُ الْأَمْرِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُمْ لَمْ يُدَوِّنُوا هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِ الْبَحْثِ عَنْهَا إلَى مَوْضُوعِهِمَا، وَكَانَ مُقْتَضَى مَا فَعَلَهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْمَقَالَاتِ نَظِيرَهُ فَيَقُولُ ثَلَاثُ مَقَالَاتٍ هِيَ الْمَبَادِئُ وَلَكِنْ الْمَقَالَةُ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْقَوْلِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَكَانَ الْمَقُولُ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ مُتَعَلَّقَهُ فَيَثْبُتُ التَّغَايُرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْت لِمَ اخْتَارَ التَّرْتِيبَ عَلَى التَّأْلِيفِ؟ . قُلْت لِيُشِيرَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ إلَى أَنَّهُ وَضَعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمُخْتَصَرُ مِنْ الْأَجْزَاءِ مَوَاضِعَهَا اللَّائِقَةَ بِهَا مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الرُّتْبَةِ الْعَقْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا التَّرْتِيبُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ، وَيَكُونُ لِبَعْضِهَا نِسْبَةٌ إلَى الْبَعْضِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الرُّتْبَةِ الْعَقْلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّأْلِيفِ فَإِنَّهُ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَ لِبَعْضِهَا نِسْبَةٌ إلَى بَعْضٍ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَمْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ نَاصَّةٌ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي تَرْتِيبِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمُخْتَصَرِ مُرَادًا بِهِ مَضْمُونُ مَا قَامَ فِي النَّفْسِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَالْمَوَادِّ الَّتِي يَسْتَعْقِبُ تَرْكِيبُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ مَعْلُولُ التَّرْتِيبِ، وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي سَمَّيْته رَاجِعًا إلَى الْمُخْتَصَرِ مُرَادًا بِهِ مَعْنَاهُ الْمُقَرَّرُ لَهُ فِي الْخَارِجِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ إطْلَاقِهِ فَإِنَّ مِثْلَهُ شَائِعٌ بَلْ هُوَ مِنْ التَّحْسِينِ الْمَعْنَوِيِّ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِخْدَامِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَدِيعِ فَتَنَبَّهْ لَهُ.
[الْمُقَدِّمَةُ أَرْبَعَة أُمُور]
[الْأَمْرُ الْأَوَّل مَفْهُومُ اسْم هَذَا الْعِلْمِ وَهُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ]
(الْمُقَدِّمَةُ) الْمَذْكُورَةُ فَالتَّعْرِيفُ فِيهَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيّ (أُمُورٌ) أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ عَرَفْت لِمَ قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ فِي أُمُورٍ الْأَمْرُ (الْأَوَّلُ مَفْهُومُ اسْمِهِ) أَيْ اسْمُ هَذَا الْعِلْمِ، وَهُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَوَجْهُ تَقْدِيمِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى غَيْرِهِ ظَاهِرٌ (وَالْمَعْرُوفُ كَوْنُهُ) أَيْ اسْمُهُ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُرَادٍ بِهِ الْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ (عِلْمًا، وَقِيلَ) بَلْ اسْمُهُ (اسْمُ جِنْسٍ لِإِدْخَالِهِ اللَّامَ) أَيْ لِصِحَّةِ إدْخَالِ اللَّافِظِ اللَّامَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ الْأُصُولُ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ حَيْثُ قَالَ وَجَعْلُهُ اسْمَ جِنْسِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ عَلَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute