للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ (حَتَّى حَكَمُوا عَلَى غَيْرِ مَاعِزٍ بِمَا حَكَمَ بِهِ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّجْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَاعِزٍ حَتَّى قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَيْضًا «رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَرَجَمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَحَكَوْا عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ (وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ) «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثْت إلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو دَاوُد لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْأَحْمَرِ عَلَى الْأَسْوَدِ أَيْ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَقِيلَ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] إذَا كَانَ هَذَا مُرَادَ الْحَنَابِلَةِ (فَكَلَامُ الْخِلَافِيِّينَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَاَلَّتِي قَبْلَهَا) مِنْ حَيْثُ عَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ.

وَلِلشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ هُنَا كَلَامٌ يَزِيدُ هَذَا الْمَقَامَ وُضُوحًا لَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ التَّعْمِيمَ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ الصِّيغَةِ لُغَةً وَلَا أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحْكُمْ بِالتَّعْمِيمِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ التَّخْصِيصُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ التَّعْمِيمَ مُنْتَفٍ لُغَةً ثَابِتٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا أَعْتَقِدُ أَنَّ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الْخِلَافُ إلَى أَنَّ الْعَادَةَ هَلْ تَقْضِي بِالِاشْتِرَاكِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ إلَيْهَا أَوَّلًا فَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا قَضَاءَ لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا قَضَاءَ لِلُّغَةِ، وَإِنَّمَا الْخَلْقُ فِي الشَّرْعِ شَرَعٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ الْعَادَةُ تَقْضِي بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عَادَةَ أَهْلِ اللِّسَانِ يُخَاطِبُونَ الْوَاحِدَ وَيُرِيدُونَ الْجَمَاعَةَ، وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَرُدُّ إلَى أَنَّهُ هَلْ صَارَ عُرْفُ الشَّرْعِ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خُوطِبَ فَالْمُرَادُ الْجَمَاعَةُ فَكَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ لَا فَهُمْ يَقُولُونَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ مِنْ الشَّرْعِ اسْتِوَاءُ النَّاسِ فِي شَرْعِهِ كَانَ خِطَابُ الْوَاحِدِ خِطَابًا مَعَ الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ إذَا قَالَ يَا زَيْدُ قَائِلٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَيَكُونُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى النَّاسِ لَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّاسُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَالثَّانِي زَيْدٌ إذَا تَقَدَّمَ مِنْ اللَّافِظِ بِهِ أَنَّهُ إذَا أَنْطَقَ بِهِ أَرَادَ بِهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ.

وَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فَمَعْنَى النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى لَفْظِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَلَفْظُ يَا زَيْدُ شَرْعًا وَنَحْنُ نَقُولُ يَا زَيْدُ بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ سَوَاءٌ سَبَقَ قَبْلَ ذِكْرِهِ مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ حُكْمُهُ أَمْ لَا، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ لَمْ يَضَعْ يَا زَيْدُ لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صَيْرُورَتُهُمْ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً]

(مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً) كَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ١٠٤] (هَلْ يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ؟ . الْأَكْثَرُ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَالرَّازِيُّ الْحَنَفِيُّ) يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ (فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ) ثُمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ مِثْلَ النَّاسِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ حُكْمًا يَحْتَاجُ فِي قِيَامِهِ بِهِ إلَى صَرْفِ زَمَانٍ يَتَنَاوَلُهُمْ بَلْ فِيمَا إذَا تَضَمَّنَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِقِيَامِ مُهِمَّاتِ السَّادَاتِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (أَنَّ الْخِلَافَ فِي إرَادَتِهِمْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ وَعَدَمِهَا) أَيْ إرَادَتِهِمْ بِهِ (وَاسْتِدْلَالِ النَّافِي) لِتَنَاوُلِهِمْ (بِمَا ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ كَوْنِ مَنَافِعِهِ مَمْلُوكَةً لِسَيِّدِهِ فَلَوْ تَنَاوَلَهُمْ نَاقَضَ) أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِصَرْفِهَا إلَى سَيِّدِهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ (دَلِيلُ عَدَمِ الْإِرَادَةِ) أَيْ إرَادَتِهِمْ شَرْعًا بِهِ، وَهَذَا خَبَرُ اسْتِدْلَالِ النَّافِي (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) أَيْ النَّافِينَ (خَرَجَ) الْعَبْدُ (وَمِنْ نَحْوِ الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>