هَذَا الْقَبِيلِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فِي حَالِ الِاسْتِعْلَاءِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْأَمْرِ
(وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الصِّيغَةُ خَاصٌّ (لِلتَّحْرِيمِ) دُونَ الْكَرَاهَةِ (أَوْ الْكَرَاهَةِ) دُونَ التَّحْرِيمِ أَوْ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ أَوْ مَعْنَوِيٌّ لِوَضْعِهَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طَلَبُ الْكَفِّ اسْتِعْلَاءً أَوْ مُتَوَقَّفٌ فِيهَا بِمَعْنَى لَا نَدْرِي لِأَيِّهِمَا وُضِعَتْ (كَالْأَمْرِ) أَيْ كَصِيغَتِهِ هَلْ هِيَ خَاصٌّ لِلْوُجُوبِ فَقَطْ أَوْ لِلنَّدْبِ فَقَطْ أَوْ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا أَوْ مَعْنَوِيٌّ أَوْ مُتَوَقَّفٌ فِيهَا لَا نَدْرِي لِأَيِّهِمَا وُضِعَتْ ثُمَّ يُرِيدُ الْأَمْرَ بِبَاقِي الْمَذَاهِبِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَّةَ (وَالْمُخْتَارُ) أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ حَقِيقَةٌ (لِلتَّحْرِيمِ لِفَهْمِ الْمَنْعِ الْحَتْمِ مِنْ الْمُجَرَّدَةِ) وَهُوَ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ (وَمَجَازٌ فِي غَيْرِهِ) أَيْ التَّحْرِيمِ لِعَدَمِ تَبَادُرِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ فِي التَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ فَانْتَفَى الِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْهُ فَتَعَيَّنَ ثَمَّ هَذَا الْحَدُّ النَّفْسِيُّ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ نَحْوَهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ النَّفْسِيَّةِ (فَمُحَافَظَةُ عَكْسِ النَّفْسِيِّ بِزِيَادَةِ حَتْمٍ، وَإِلَّا دَخَلَتْ الْكَرَاهَةُ النَّفْسِيَّةُ فَالنَّهْيُ) النَّفْسِيُّ (نَفْسُ التَّحْرِيمِ، وَإِذَا قِيلَ مُقْتَضَاهُ) أَيْ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ (يُرَادُ اللَّفْظِيُّ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ نَفْسُ النَّفْسِيِّ لَا مُقْتَضَاهُ (وَتَقْيِيدُ الْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمَ بِقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ وَكَرَاهَتَهُ) أَيْ التَّحْرِيمِ (بِظَنِّيِّهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (لَيْسَ خِلَافًا) فِي أَنَّ النَّهْيَ النَّفْسِيَّ نَفْسُ التَّحْرِيمِ (وَلَا تَعَدُّدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ طَلَبُ التَّرْكِ حَتْمًا لَيْسَ غَيْرُ، وَهَذَا الطَّلَبُ قَدْ يَصِلُ مَا يَدُلُّ بِهِ عَلَيْهِ بِقَاطِعٍ إلَيْنَا فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ الطَّلَبِ قَطْعًا وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَقَدْ يَصِلُ بِظَنِّيٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الطَّلَبُ مَظْنُونًا فَنُسَمِّيهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَكَوْنُ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ) لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْهُ (قَرِينَةَ الْإِبَاحَةِ) أَيْ كَوْنُ النَّهْيِ لِلْإِبَاحَةِ (ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (نَفْيَهُ) أَيْ نَفْيَ كَوْنِ تَقَدُّمِهِ قَرِينَةً لِكَوْنِ النَّهْيِ لِلْإِبَاحَةِ (إجْمَاعًا، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخَطَرِ، وَالْوُجُوبُ السَّابِقُ لَا يَنْتَهِضُ قَرِينَةً فِي حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى رَفْعِ الْوُجُوبِ، وَادَّعَى الْوِفَاقَ فِي ذَلِكَ وَلَسْت أَرَى ذَلِكَ مُسَلَّمَا أَمَّا أَنَا فَسَاحِبٌ ذَيْلَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْته فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَمَا أَرَى الْمُخَالِفِينَ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ، اهـ.
(لَا يُتَّجَهُ إلَّا بِالطَّعْنِ فِي نَقْلِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَنَقْلِ الْخِلَافِ) فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا تَخْمِينًا فَلَا يَقْدَحُ (إذْ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ (يَلْزَمُ اسْتِقْرَاؤُهُمْ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَيْسَ قَرِينَةَ كَوْنِهِ لِلْإِبَاحَةِ.
(وَمُوجَبُهَا) أَيْ صِيغَةِ النَّهْيِ وَلَوْ اسْمَهَا (الْفَوْرُ وَالتَّكْرَارُ أَيْ الِاسْتِمْرَارُ خِلَافًا لِشُذُوذٍ) ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ مُطْلَقُ الْكَفِّ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الدَّوَامِ وَالْمَرَّةِ، وَنَصَّ فِي الْمَحْصُولِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَفِي الْحَاصِلِ أَنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمَجَازُ وَالِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِالنَّهْيِ عَلَى التَّرْكِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ لِلدَّوَامِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ وَمِنْ هُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ دَوَامَ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَانَ مُغْنِيًا عَنْ الْفَوْرِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِالْفِعْلِ]
(مَسْأَلَةٌ: الْأَكْثَرُ إذَا تَعَلَّقَ) النَّهْيُ (بِالْفِعْلِ كَانَ) النَّهْيُ (لِعَيْنِهِ) أَيْ لِذَاتِ الْفِعْلِ أَوْ جُزْئِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ شَرْعِيًّا (وَيَقْتَضِي) النَّهْيُ (الْفَسَادَ شَرْعًا وَهُوَ) أَيْ الْفَسَادُ شَرْعًا (الْبُطْلَانُ) وَهُوَ (عَدَمُ سَبَبِيَّتِهِ) أَيْ خُرُوجِ الْفِعْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute