لَا يَمْنَعُ (وَضْعُ الِاصْطِلَاحِ) ذَلِكَ (وَالطَّرَفَانِ) أَيْ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ وَالْمُسْنَدُ وَالْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ فِي الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ (حَقِيقِيَّانِ كَأَشَابَ الصَّغِيرُ الْبَيْتَ) أَيْ أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِيرَ كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيِّ يَعْنِي إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ قَائِلَهُ قَالَهُ عَنْ اعْتِقَادٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْإِشَابَةِ وَالْإِفْنَاءِ وَالْكَرِّ وَالْمَرِّ مُرَادٌ بِهِ حَقِيقَتُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنْهُمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا صَادِقًا وَكَوْنِهِ حَقِيقَةً كَاذِبَةً وَهُوَ لِلصَّلَتَانِ الْعَبْدِيِّ (أَوْ مَجَازَانِ كَأَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك) .
فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْيَاءِ السُّرُورُ وَبِالِاكْتِحَالِ الرُّؤْيَةُ وَكِلَاهُمَا مَجَازٌ عَنْهُمَا (أَوْ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَالْآخَرُ وَهُوَ الْمُسْنَدُ مَجَازٌ نَحْوُ قَوْلِ الْجَاهِلِ أَحْيَا الرَّبِيعُ الْأَرْضَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالرَّبِيعِ حَقِيقَتُهُ وَبِإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلْإِحْيَاءِ وَهُوَ تَهْيِيجُ الْقُوَى النَّامِيَةِ فِيهَا وَإِحْدَاثُ نَضَارَتِهَا بِأَنْوَاعِ النَّبَاتِ إذْ الْإِحْيَاءُ حَقِيقَةً إعْطَاءُ الْحَيَاةِ وَهِيَ صِفَةٌ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ الْإِرَادِيَّةَ أَوْ بِالْعَكْسِ نَحْوُ كَسَا الْبَحْرُ الْفَيَّاضَ الْكَعْبَةَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرِ الْفَيَّاضِ الشَّخْصُ الْجَوَادُ وَهُوَ مَجَازِيٌّ لَهُ وَبِالْكُسْوَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الْمَعْرُوفُ.
(وَقَدْ يَرِدُ) الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ (إلَى التَّجَوُّزِ بِالْمُسْنَدِ فِيمَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُ) إلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ (وَإِلَى كَوْنِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ اسْتِعَارَةً بِالْكِنَايَةِ كَالسَّكَّاكِيِّ وَلَيْسَ) هَذَا الْقَوْلُ (مُغْنِيًا) عَنْ الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْإِسْنَادِ مَجَازِيًّا (لِأَنَّهَا) أَيْ الِاسْتِعَارَةَ بِالْكِنَايَةِ (إرَادَةُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِلَفْظِ الْمُشَبَّهِ بِادِّعَائِهِ) أَيْ الْمُشَبَّهِ (مِنْ أَفْرَادِهِ) أَيْ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَيَدَّعِي أَنَّ اسْمَ الْمَنِيَّةِ مَثَلًا فِي مَخَالِبِ الْمَنِيَّةِ نَشِبَتْ بِفُلَانٍ اسْمٌ لِلسَّبُعِ مُرَادِفٌ لَهُ بِارْتِكَابِ تَأْوِيلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَنِيَّةَ تَدْخُلُ فِي جِنْسِ السِّبَاعِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا السَّبُعُ بِادِّعَاءِ السَّبُعِيَّةِ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّكَّاكِيُّ (فَلَمْ يَخْرُجْ) الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ (عَنْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ) عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَقْلِيًّا.
(وَقَدْ يُعْتَبَرُ) الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ (فِي الْهَيْئَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ وَلَا مَجَازَ فِي الْمُفْرَدَاتِ) حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ أُسْنِدَ فِيهِ الْفِعْلُ إلَى غَيْرِ مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ إسْنَادَهُ إلَيْهِ تَشْبِيهًا بِالْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ شَبَّهَ التَّلَبُّسَ الْغَيْرَ الْفَاعِلِيَّ بِالتَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ فَاسْتَعْمَلَ فِيهِ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِإِفَادَةِ التَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَجَازُ (اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ) وَهِيَ اسْتِعَارَةُ وَصْفِ إحْدَى صُورَتَيْنِ مُنْتَزَعَتَيْنِ مِنْ أُمُورٍ لِوَصْفِ الْأُخْرَى فَمَثَلًا إذَا شَبَّهْت تَرَدُّدَ الْمُفْتِي فِي حُكْمٍ بِصُورَةِ تَرَدُّدِ مَنْ قَامَ لِيَذْهَبَ وَقُلْت: أَرَاك أَيُّهَا الْمُفْتِي تُقَدِّمُ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ فِي تُقَدِّمُ وَتُؤَخِّرُ رِجْلًا اسْتِعَارَةٌ إذْ لَمْ يَقَعْ بِهَذَا التَّجَوُّزِ تَصَرُّفٌ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الِاسْتِعَارَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَجْمُوعِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّجَوُّزُ فِي مَجْمُوعِ ذَلِكَ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ بِاعْتِبَارِ انْتِزَاعِ صُورَةٍ مِنْهُ وَتَشْبِيهِهَا بِصُورَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا وَادِّعَاءِ دُخُولِ الْأُولَى فِي جِنْسِ الْأُخْرَى رَوْمًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الصُّورَةِ الْمُشَبَّهَةِ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ الدَّالُ عَلَى الصُّورَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا (وَلَمْ يَقُولُوهُ) أَيْ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ هَذَا (هُنَا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (فَإِنَّمَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الْإِرَادَاتُ الْمَجَازِيَّةُ (اعْتِبَارَاتٌ) وَتَصَرُّفَاتٌ عَقْلِيَّةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ (قَدْ يَصِحُّ الْكُلُّ فِي مَادَّةٍ وَقَدْ لَا) يَصِحُّ الْكُلُّ فِيهَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي خُصُوصِهَا بَعْضُهَا (فَلَا حَجْرَ) فِيهَا لِأَنَّ الْمَجَازَ يَكْفِي فِيهِ الْعَلَاقَةُ الْمُعْتَبَرُ نَوْعُهَا وَلَا يُجْبَرُ الِاسْتِعْمَالُ وَالتَّرْكِيبُ الْوَاحِدُ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّجَوُّزِ فِيهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ اعْتَبَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الْمَجَازَ فِي قَوْله تَعَالَى {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: ٧] مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْأَسْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ]
(مَسْأَلَةٌ لَا خِلَافَ أَنَّ) الْأَسْمَاءَ (الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) فِي غَيْرِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ (حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٍ يَتَبَادَرُ مِنْهَا مَا عُلِمَ) لَهَا مِنْ مَعَانِيهَا الْمَذْكُورَةِ (بِلَا قَرِينَةٍ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَيَكُونُ مَنْقُولًا أَوْ لَا فَيَكُونُ مُبْتَدَأً (بَلْ) الْخِلَافُ (فِي أَنَّهَا) أَيْ الْأَسْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ فِي الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةً (عُرْفِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِهِمْ إيَّاهَا لِتِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute