بِيعَتْ بِكْرًا) أَيْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا ثَيِّبٌ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْبُولَةُ الشَّهَادَةِ بِثِيَابَتِهَا (لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا لِلرَّدِّ) أَيْ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ (وَإِنْ قُبِلَتْ فِي الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ) حَتَّى تَثْبُتَ الثِّيَابَةُ فِي هَذِهِ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا بِحَلِفِهِ بِاَللَّهِ مَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ وَمَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ.
فَإِنْ حَلَفَ فَلَا خُصُومَةَ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُ ثِيَابَتِهَا فِي نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْوِلَادَةِ أَصْلًا وَوَصْفًا وَهُوَ كَوْنُهَا شَرْطًا وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَتُقْبَلُ فِي أَصْلِهَا لَا فِي وَصْفِهَا فَلَمْ يَقَعْ الْجَزَاءُ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَبِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا وَلَدْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ بِهَا لِأَنَّهَا شَرْطُ وُقُوعِهِ وَهِيَ مِمَّا تَقِفُ عَلَيْهِ الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا كَمَا لَا تُقْبَلُ فِي نَسَبِ الْمَوْلُودِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِبُرُوزٍ مَوْجُودٍ فِي بَاطِنِهَا فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُهَا كَمَا فِي: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَيْفَ لَا وَالظَّاهِرُ بَلْ الْيَقِينُ وِلَادَتُهَا إذَا جَاءَتْ فَارِغَةً وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْوِلَادَةِ مِنْ أَيِّ وَلَدٍ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ مُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَلَدُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدٍ آخَرَ مَيِّتٍ ثُمَّ تُرِيدُ حَمْلَ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي تَعَيُّنِ الْوِلَادَةِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ تَقْسِيم الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيَ]
(فَصْلٌ قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ) التَّفَاوُتِ فِي (الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ مَا عُلِمَ فِيهِ نَفْيُ اعْتِبَارِ الْفَارِقِ) أَيْ إلْغَاؤُهُ (بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ مِنْ التَّقْوِيمِ عَلَى مُعْتِقِ الْبَعْضِ) الثَّابِتِ فِيهِ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ بِهِ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» فَإِنَّا نَقْطَعُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ وَأَنْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا سِوَى ذَلِكَ (وَخَفِيَ بِظَنِّهِ) أَيْ مَا يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا (كَالنَّبِيذِ) أَيْ كَقِيَاسِهِ (عَلَى الْخَمْرِ فِي حُرْمَةِ الْقَلِيلِ مِنْهُ) أَيْ الْخَمْرِ (لِتَجْوِيزِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ) أَيْ كَوْنِ الشَّرَابِ مَاءَ الْعِنَبِ الْخَاصِّ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَلِذَا) أَيْ تَجْوِيزِ هَذَا الِاعْتِبَارِ (قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ ذَهَبُوا إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ لِمَا هُوَ مَسْطُورٌ لَهُمْ فِي مَوْضِعِهِ وَهَذَا التَّجْوِيزُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ فَلَا يُنَافِي ظَنَّ نَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَمِنْ الْجَلِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَا كَانَ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ احْتِمَالًا ضَعِيفًا بَعِيدًا كُلَّ الْبُعْدِ كَإِلْحَاقِ الْعَمْيَاءِ بِالْعَوْرَاءِ فِي حَدِيثِ الْمَنْعِ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْعَوْرَاءِ يَعْنِي حَدِيثَ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا» إلَخْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ جَلِيٌّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَخَفِيَ وَهُوَ الشَّبَهُ وَوَاضِحٌ وَهُوَ مَا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْأُولَى كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْوَاضِحُ الْمُسَاوِي كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْخَفِيُّ الْأَدْوَنُ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا وَالْجَلِيُّ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْ الْجَلِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى.
(وَ) قَسَّمُوهُ (بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ إلَى قِيَاسِ عِلَّةِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ كَأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ لِلْإِسْكَارِ كَالْخَمْرِ (وَ) إلَى (قِيَاسِ دَلَالَةٍ أَنْ يَجْمَعَ) فِيهِ (بِمُلَازِمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (كَرَائِحَةِ) الْعَصِيرِ (الْمُشْتَدِّ) بِالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ (بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ) فِي الْحُرْمَةِ (لِدَلَالَتِهِ) أَيْ الْمُلَازِمِ الَّذِي هُوَ الرَّائِحَةُ (عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ الْإِسْكَارِ) الْحَاصِلِ مِنْ ذِي الشِّدَّةِ (إذْ كَانَ) الْإِسْكَارُ (مُلَازِمًا لَهَا) أَيْ لِلرَّائِحَةِ فَيُقَالُ النَّبِيذُ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي الْفَرْعِ هُوَ وَحُكْمٍ آخَرَ تُوجِبُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصْلِ فَيُقَالُ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ الْآخِرِ فِيهِ وَهُوَ مُلَازِمٌ لَهُ فَيَكُون قَدْ جَمَعَ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ أَيْ الْحُكْمَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمُوجِبِ الْآخَرِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ لَهُ وَيَرْجِعُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ عَلَى الْعِلَّةِ وَبِالْعِلَّةِ عَلَى الْمُوجِبِ الْآخَرِ لَكِنْ يُكْتَفَى بِذِكْرِ مُوجِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute