للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَسُوغُ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى كُلٍّ مِنْ اجْتِهَادِهِ وَاجْتِهَادِ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ الرُّجُوعُ إلَى كُلٍّ مِنْ اجْتِهَادَيْ مُجْتَهِدَيْنِ (أُجِيبَ بِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُقَلِّدِينَ إذْ الْمَعْنَى لِيَسْأَلْ أَهْلَ الْعِلْمِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ) لِلْعِلْمِ (وَأَهْلُ الْعِلْمِ مَنْ لَهُ الْمَلَكَةُ) أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِأَهْلِيَّتِهِ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ (لَا بِقَيْدِ خُرُوجِ الْمُمْكِنِ عَنْهُ) مِنْ الِاقْتِدَارِ (إلَى الْفِعْلِ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّيْءِ مَنْ هُوَ مُتَأَهِّلٌ لَهُ وَمُسْتَعِدٌّ لَهُ اسْتِعْدَادًا قَرِيبًا لَا مَنْ حَصَلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمُقَلِّدِ (قَالُوا) ثَانِيًا (الْمُعْتَبَرُ الظَّنُّ) ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ بِاجْتِهَادِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ الظَّنُّ (حَاصِلٌ بِفَتْوَى غَيْرِهِ) فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ.

(أُجِيبَ بِأَنَّ ظَنَّهُ اجْتِهَادَهُ) بِنَصَبِ الدَّالِ إمَّا بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِاجْتِهَادِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ظَنِّهِ (أَقْوَى) مِنْ ظَنِّهِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ (فَيَجِبُ الرَّاجِحُ، فَإِنْ قِيلَ ثَبَتَ) فِي الْفُرُوعِ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ يَقْضِي بِغَيْرِ رَأْيِهِ ذَاكِرًا لَهُ) أَيْ لِرَأْيِهِ (نَفَذَ) قَضَاؤُهُ (خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ فَيَبْطُلُ) بِهَذَا الثَّابِتُ عَنْهُ (نَقْلُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَنْعِ) مِنْ التَّقْلِيدِ (بَعْدَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (إذْ لَيْسَ التَّقْلِيدُ إلَّا الْعَمَلُ، أَوْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ غَيْرِهِ) ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا مِنْ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّهُ (وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَنْهُ يَنْفُذُ وَجَعَلَهَا فِي الْخَانِيَّةِ أَظْهَرَ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَرَأْيُ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ خَطَأَهُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مَحِلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَقٍّ عَبَثٌ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى غَيْرِهَا لَا يَصِحُّ لِاعْتِقَادِهِ خَطَأَ نَفْسِهِ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ (فَقَدْ صَحَّحَ أَنَّهُ) أَيْ نَفَاذَ الْقَضَاءِ (مَذْهَبُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ.

(قُلْنَا: النَّفَاذُ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ لَا يُوجِبُ حِلَّهُ) أَيْ الْفِعْلِ (نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ) ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ (أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي النَّفَاذِ وَفِي بَعْضِهَا) ذَكَرَ الْخِلَافَ (فِي الْحِلِّ) أَيْ حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ الْحِلُّ بَلْ يَجِبُ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ النَّفْيِ) لِلْحِلِّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي وَجْهِهَا وَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ إجْمَاعًا وَهَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى ظَنِّهِ، وَعَمَلُهُ هُنَا لَيْسَ إلَّا قَضَاءَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ نَصَّ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُحِيطِ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ النَّفَاذِ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ: (وَصَرَّحَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ تَقْلِيدِ التَّابِعِيِّ، وَإِنْ رُوِيَ خِلَافُهُ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّعَارُضِ فَكَوْنُ عَدَمِ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ]

(مَسْأَلَةٌ: إذَا) وَقَعَتْ وَاقِعَةٌ فَاجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لَهَا ثُمَّ (تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ) هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْرِيرُ النَّظَرِ وَتَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا أَمْ يَكْفِي الِاجْتِهَادُ الْأَوَّلُ (قِيلَ) ، وَالْقَائِلُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ السَّاعَاتِيِّ (الْمُخْتَارُ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرِيرُ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ إلْزَامَهُ بِهِ (إيجَابٌ بِلَا مُوجِبٍ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ) تَكْرِيرُ النَّظَرِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ: وَإِلَّا يَكُونُ مُقَلِّدًا لِنَفْسِهِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى، وَقَالَ: وَكَالْقِبْلَةِ يُجْتَهَدُ لَهَا ثَانِيًا وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ وَقِيلَ: (لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ كَثِيرًا مَا يَتَغَيَّرُ) فَيَرْجِعُ صَاحِبُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ إلَى الْجَدِيدِ (وَلَيْسَ) تَغَيُّرُهُ (إلَّا بِتَكْرِيرِهِ) أَيْ النَّظَرِ (فَالِاحْتِيَاطُ ذَلِكَ) أَيْ تَكْرِيرُهُ، فَإِنْ تَغَيَّرَ أَفْتَى بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْتَمَرَّ ظَنُّهُ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَأَفْتَى بِهِ (أُجِيبَ فَيَجِبُ تَكْرَارُهُ) أَيْ النَّظَرِ (أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الِاجْتِهَادَ (يَحْتَمِلُ ذَلِكَ) أَيْ التَّغَيُّرَ (فِي كُلِّ وَقْتٍ يَمْضِي بَعْدَ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ) ، وَالْوُجُوبُ الْأَبَدِيُّ لَهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا) اللَّازِمُ (لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الِاجْتِهَادِ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْحَادِثَةِ بِشَرْطِهِ) أَيْ وُجُوبِهِ (فَقَدْ أَخَذَ السَّبَبُ حُكْمَهُ) بِالِاجْتِهَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>