للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] (وَإِمَّا عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَضَمِّنِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ - وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ مُرَادًا بِهِنَّ الرَّجْعِيَّاتُ (مَجَازًا) مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ (وَوُجُوبُ تَرَبُّصُ غَيْرِ الرَّجْعِيَّاتِ بِدَلِيلٍ آخَرَ) كَالْإِجْمَاعِ.

[مَسْأَلَةُ تَّخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ]

(مَسْأَلَةٌ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةً) بَلْ مُسْتَطْرَدَةً قَالَ (الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ) وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ) أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ لَا الظَّنِّيُّ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقَطْعِيِّ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ شَارِحُ الْبُرْهَانِ وَغَيْرُهُ نَعَمْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ قِيَاسُ نَصٍّ خَاصٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي حَصْرِ الْجَوَازِ فِيهِ تَأَمُّلٌ.

ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي جَوَازِهِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ) قَيَّدُوا الْجَوَازَ بِهِ (بِشَرْطِ تَخْصِيصٍ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْقِيَاسِ مِنْ سَمْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ.

(وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ (بِالْقَبْلِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ (لَا يُتَصَوَّرُ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِي مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ عَنْ خُرُوجِهِ مِنْهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا حِينَئِذٍ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخُرُوجِ بَلْ وَلَا تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (وَتَقَدَّمَتْ إشَارَةٌ إلَيْهِ) فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ وَبَيَّنَّا وَجْهَهُ (فَالْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ) لِلْغَيْرِ (ظُهُورُ الْغَيْرِ سَابِقًا) عَلَى ظُهُورِ مَا سِوَاهُ وَقَالَ (ابْنُ سُرَيْجٍ: إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (جَلِيًّا) جَازَ تَخْصِيصُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا لَا يَجُوزُ، فِي الْجَلِيِّ مَذَاهِبُ الرَّاجِحُ مِنْهَا فِي الْمُنْتَخَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَعْنَى، وَالْخَفِيُّ قِيَاسُ الشَّبَهِ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَسَيَحْكِيهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَالْخَفِيُّ مَا ظُنَّ فِيهِ نَفْيُ تَأْثِيرِهِ بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ يَعْنِي الْمَقِيسَ عَلَيْهِ (مُخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِنَصٍّ) خُصَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالْجُبَّائِيُّ يُقَدِّمُ الْعَامَّ مُطْلَقًا) أَيْ جَلِيًّا كَانَ الْقِيَاسُ أَوْ خَفِيًّا مُخْرَجًا أَصْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ أَوْ لَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ.

(وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ مُخَصِّصًا) أَيْ مُخْرِجًا مِنْ الْعُمُومِ (أَوْ) ثَبَتَتْ (الْعِلَّةُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) خُصَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (اُعْتُبِرَتْ قَرَائِنُ التَّرْجِيحِ) فَإِنْ ظَهَرَ تَرْجِيحُ خَاصٍّ بِالْقِيَاسِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِالْعَامِّ (وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ) وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ قُلْت وَقَوْلُ السُّبْكِيّ وَهُوَ آيِلٌ إلَى اتِّبَاعِ أَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْوَقْفُ وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْغَزَالِيِّ وَاعْتَرَفَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ حَقٌّ وَاضِحٌ اهـ.

لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا وَقْفَ أَصْلًا فِي هَذَا الْمُخْتَارِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَأَمَّا أَنَّهُ حَقٌّ فَسَتَقِفُ عَلَى مَا فِيهِ (لَنَا) عَلَى الْأَوَّلِ (الِاشْتِرَاكُ) أَيْ الْعَامُّ وَالْقِيَاسُ مُتَشَارِكَانِ (فِي الظَّنِّيَّةِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ) أَيْ أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (فَمُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ الْعَامُّ أَوْ لَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَأَمَّا الطَّائِفَةُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ (فَبِالتَّخْصِيصِ) صَارَ ظَنِّيًّا عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ تَحَقُّقِ عَدَمِ إرَادَةِ مَعْنَاهُ وَاحْتِمَالِ إخْرَاجِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ (وَالتَّفَاوُتُ فِي الظَّنِّيَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ) مِنْ تَخْصِيصِ الْأَقْوَى فِيهَا بِمَا دُونَهُ فِيهَا لِأَنَّ مُسَاوَاةَ الْمُخَصَّصِ وَالْمُخَصِّصِ فِيهَا لَيْسَتْ شَرْطًا (كَمَا تَقَدَّمَ) فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ (وَوَجْهُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ (إعْمَالُهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ (مَا أَمْكَنَ أَوْ تَرَجُّحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>