للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ وُجِدَ التَّعَلُّقُ بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُوجَدْ التَّعَلُّقُ بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي الزَّمَانِ الثَّانِي فَارْتَفَعَ وَانْقَطَعَ الِاسْتِمْرَارُ الَّذِي كَانَ يَتَحَقَّقُ لَوْلَا النَّاسِخُ (كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّعْرِيفِ) ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ أَزَلِيًّا لَا يَرْتَفِعُ لَا أَنَّ الْفِعْلَ ارْتَفَعَ (وَنَخْتَارُ عِلْمَهُ) أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَى اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ (مُؤَقَّتٌ) أَيْ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّهُ يَنْسَخُهُ فِيهِ (وَيَتَضَمَّنُ) عِلْمُهُ بِهِ مُؤَقَّتًا (عِلْمُهُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَنْسَخُهُ فِيهِ) وَعِلْمُهُ بِارْتِفَاعِهِ بِنَسْخِهِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ النَّسْخَ بَلْ يُثْبِتُهُ وَيُحَقِّقُهُ (فَكَيْفَ يُنَافِيهِ) .

[مَسْأَلَةٌ جَوَازِ النَّسْخِ]

(مَسْأَلَةٌ.

الِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ) لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْفِعْلِ (بَعْدَ التَّمَكُّنِ) مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَكَلُّفِهِ بِهِ (بِمُضِيِّ مَا يَسَعُ) الْفِعْلَ (وَمِنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ) أَيْ لِلْفِعْلِ (شَرْعًا إلَّا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ) مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ سَوَاءٌ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ أَوْ لَا (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي النَّسْخِ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ (بِكَوْنِهِ) أَيْ النَّسْخِ (قَبْلَ) دُخُولِ (الْوَقْتِ) الْمُعَيَّنِ لِلْفِعْلِ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ (قَبْلَ) مُضِيِّ (مَا يَسَعُ) الْفِعْلَ مِنْهُ سَوَاءٌ (شَرَعَ) فِي الْفِعْلِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِنَفْيِ تَعْيِينِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ كَوْنَ الْخِلَافِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَلِذَا قَالَ فِي التَّصْوِيرِ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَةَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمِثَالُ الْوَاضِحُ (كَصُمْ غَدًا وَرَفْعُ) وُجُوبَ صَوْمِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ

(أَوْ) رَفَعَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ (وَإِنْ شَرَعَ) فِي صَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ (قَبْلَ التَّمَامِ) لِصِيَامِهِ (فَالْجُمْهُورُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ) مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْأَشَاعِرَةُ قَالُوا (نَعَمْ) يَجُوزُ نَسْخُهُ (بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ) بِالْقَلْبِ لِحَقِّيَّتِهِ (وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَالْكَرْخِيُّ) وَالْجَصَّاصُ وَالْمَاتُرِيدِيُّ وَالدَّبُوسِيُّ (وَالصَّيْرَفِيُّ لَا) يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا مَضَى مَا لَا يَسَعُ الْفِعْلَ وَحَصَلَ التَّمَكُّنُ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ يَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ الْأَدِلَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ قَبْلَ نَفْسِ الْفِعْلِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ إذْ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ كُلَّ نَسْخٍ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ اعْتَرَفْتُمْ بِثُبُوتِهِ فَلْيَلْزَمُكُمْ قَبْلَ الْفِعْلِ وَهَذَا مَعَ تَهَافُتِهِ يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ قَبْلَ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلِاتِّفَاقِ الْمَحْكِيِّ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَالَ: وَعِنْدَهُمْ هُوَ أَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْفِعْلِ أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ تَفْرِيطٌ مِنْ الْعَبْدِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى بَيَانِ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالنَّسْخِ انْتَهَى. فَكُلُّ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ تَسَاهُلٌ

(لَنَا: لَا مَانِعٌ عَقْلِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ) مِنْ ذَلِكَ (فَجَازَ وَنَسَخَ خَمْسِينَ) مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِفَرْضِ خَمْسٍ كَذَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّالٍ وَالشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ وَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ نَسَخَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تُفِيدُ نَسْخَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْهَا وَاسْتِمْرَارَ خَمْسٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ (فِي) لَيْلَةِ (الْإِسْرَاءِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمِعْرَاجَ إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْرَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ أَيْضًا وَأَنَّهُمَا كَانَا يَقَظَةً كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ بَلْ فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ هِيَ لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ (وَإِنْكَارُ الْمُعْتَزِلَةِ إيَّاهُ) أَيْ نَسْخَ الْخَمْسِينَ أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَكَذَا إنْكَارُ جُمْهُورِهِمْ الْمِعْرَاجَ (مَرْدُودٌ بِصِحَّةِ النَّقْلِ) لِذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ عَدَمِ إحَالَةِ الْعَقْلِ لَهُ فَإِنْكَارُهُ بِدْعَةٌ ضَلَالَةٌ وَأَمَّا إنْكَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَكُفْرٌ، ثُمَّ قَوْلُهُمْ هَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِخَمْسِينَ صَلَاةٍ كَانَ لِلْأُمَّةِ وَلَوْ يُوجَدُ تَمَكُّنُهُمْ مِنْ الِاعْتِقَادِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْعِلْمِ دُفِعَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْأُمَّةُ تَابِعَةٌ لَهُ وَقَدْ عَلِمَ وَاعْتَقَدَ عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ بِالنَّسْخِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ بِخَمْسِينَ صَلَاةً دُونَ أُمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَلَهُمْ فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ الْمَرْوِيِّ أَنَّ أُمَّتَهُ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِهَا أَيْضًا فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>