للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤَدَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ حَدُّ النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَا عِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ فَاسِدٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ تَرْكٌ بَلْ هُوَ تَأْخِيرٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِي الْفِعْلِ ثَلَاثَةٌ: فِعْلٌ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَاجِبُ وَفِعْلٌ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ النَّدْبُ وَفِعْلٌ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَجْمُوعِ الْوَقْتِ لَكِنْ لَا يُعَاقَبُ بِالْإِضَافَةِ إلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ مُفْتَقِرٌ إلَى عِبَارَةٍ ثَالِثَةٍ وَحَقِيقَتُهُ لَا تَعْدُو النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ فَأَوْلَى الْأَلْقَابِ بِهِ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ وَقَدْ وَجَدْنَا الشَّرْعَ يُسَمِّي هَذَا الْقِسْمَ وَاجِبًا بِدَلِيلِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَعَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ ثَوَابَ الْفَرْضِ لَا ثَوَابَ النَّدْبِ فَإِذَنْ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَا يُنْكِرُهَا الْعَقْلُ، وَالنِّزَاعُ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى اهـ وَهَذَا السِّيَاقُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ) كَوْنُهُ قَضَاءً بَعْدَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فِي الْوَقْتِ (لَوْ كَانَ) الْجُزْءُ (الْأَوَّلُ سَبَبَ) الْوُجُوبِ (الْمَضِيقِ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (تَتَقَرَّرُ السَّبَبِيَّةُ عَلَى مَا) أَيْ الْجُزْءِ الَّذِي (يَلِيهِ الشُّرُوعُ) فِي الْوَاجِبِ (فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ (مَا سَنَذْكُرُ) فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي الْمَسْأَلَةَ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[مَسْأَلَة الواجب بِالسَّبَبِ]

(مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ الْفِعْلُ عَيْنًا مُخَيَّرًا) فِي أَجْزَاءِ زَمَانِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ (كَمَا قُلْنَا) آنِفًا فِي السَّابِقَةِ (وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ جُزْءٍ) مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ مَا لَمْ يَتَضَيَّقْ (أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ) أَيْ الْفِعْلِ (وَمِنْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فِيمَا بَعْدَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْخَالِي هُوَ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسَعُ الْفِعْلَ تَعَيَّنَ الْفِعْلُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ) عَلَى الْفِعْلِ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ (عَصَى وَعِنْدَ زُفَرَ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ عَنْ قَدْرِ مَا يَسَعُ) الْأَدَاءَ مِنْ آخَرِ الْوَقْتِ (وَدَفْعُ) قَوْلِ الْقَاضِي (بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْجُزْءِ) الَّذِي لَيْسَ بِالْأَخِيرِ مِنْ آخَرِ الْوَقْتِ (مُمْتَثِلٌ لِكَوْنِهِ مُصَلِّيًا لَا) لِكَوْنِهِ (آتِيًا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) الْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمِ مُبْهَمًا وَلَوْ كَانَ هُنَا تَخْيِيرٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْعَزْمِ لَكَانَ الِامْتِثَالُ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَمُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ الْمُطْلَقِ كَمَا يُعْلَمُ فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ (بِأَنْ لَا مُنَافَاةَ) بَيْنَ كَوْنِهِ مُصَلِّيًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ آتِيًا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُبْهَمًا لِكَوْنِهِ أَحَدَ جُزْأَيْهِ (فَلْيَكُنْ) مُمْتَثِلًا (لِكَوْنِ الصَّلَاةِ أَحَدَهُمَا) أَيْ الْأَمْرَيْنِ مُبْهَمًا (وَدَعْوَى التَّعَيُّنِ) أَيْ بِأَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمَا (مَحَلُّ النِّزَاعِ إنَّمَا ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (عِنْدَ التَّضَيُّقِ) فِي الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسَعُهَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ (وَفِي الْبَدِيعِ) فِي جَوَابِ قَوْلِ الْقَاضِي وَبِأَنَّهُ (لَوْ كَانَ الْعَزْمُ بَدَلًا) عَنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ (سَقَطَ بِهِ الْمُبْدَلُ) وَهُوَ الصَّلَاةُ (كَسَائِرِ الْإِبْدَالِ) كَالْجُمُعَةِ لِلظُّهْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا (مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ سُقُوطَهَا بِهِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهَا مُطْلَقًا (بَلْ) نَعْنِي أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ إيقَاعِهَا فِيمَا عَدَا الْجُزْءَ الْأَخِيرَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ (اللَّازِمُ سُقُوطُ وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْبَدَلِيَّةُ لَيْسَتْ إلَّا فِي هَذَا الْقَدْرِ) أَيْ فِي سُقُوطِ وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي ثَانِي الْحَالِ

قِيلَ وَأَيْضًا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ الْعَزْمَ وَحْدَهُ بَدَلًا بَلْ الْعَزْمُ مَعَ الْفِعْلِ فِي آخِرِهِ فَتَحَقَّقَ الْعَزْمُ فِيمَا عَدَا الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مَعَ تَرْكِ الْفِعْلِ فِيهِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْبَدَلِ بِكَمَالِهِ (بَلْ الْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي (أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ بِالْوَقْتِ وَلَا تَعَلُّقَ لِوُجُوبِ الْعَزْمِ بِهِ) أَيْ بِالْوَقْتِ (بَلْ وُجُوبُ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاجِبٍ) مُوَسَّعًا كَانَ أَوْ مُضَيَّقًا إجْمَالًا عِنْدَ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا عِنْدَ تَذَكُّرِهِ بِخُصُوصِهِ كَالصَّلَاةِ حُكْمٌ (مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ) يَثْبُتُ مَعَ ثُبُوتِ الْإِيمَانِ سَوَاءٌ دَخَلَ وَقْتُ الْوَاجِبِ أَوْ لَا فَهُوَ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَمَعَهُ بِحَسَبِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ لِيَتَحَقَّقَ التَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ الْإِذْعَانُ وَالْقَبُولُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالصَّلَاةِ وَمُقَيِّدًا كَوْنَ الْعَزْمِ بَدَلًا عَنْ الْفِعْلِ (هَذَا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ مَذْهَبَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَاجِبَ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ الصَّلَاةُ أَوْ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (بَعْدَهُ) أَيْ أَوَّلِ الْوَقْتِ (فِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ (كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُتَكَلِّمِينَ) إذْ فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ تَجْدِيدَ الْعَزْمِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي بَلْ يَحْكُمُونَ بِأَنَّ الْعَزْمَ الْأَوَّلَ يَنْسَحِبُ عَلَى جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَانْسِحَابِ النِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>