تَسَامُحًا وَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَبْهَرِيُّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي طَرَفِ الْعَدَمِ أَثَرًا أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ أَيْ لَمْ يَشَأْ الْفِعْلَ وَشَاءَ عَدَمَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا أَنَّهُ فَعَلَ عَدَمَهُ إذْ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِ الْعَدَمِ أَثَرًا مُجَرَّدُ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُوجِبُ بِالذَّاتِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَيْسَ أَثَرًا لِلْقُدْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ (فَيَتَحَقَّقُ التَّرْكُ وَهُوَ) أَيْ التَّرْكُ (فِعْلٌ إذَا طَلَبَتْهُ) النَّفْسُ (وَيُثَابُ) الْمُكَلَّفُ (عَلَى هَذَا الْعَزْمِ) أَيْ عَزْمِ الْكَفِّ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا يُفِيدُهُ غَيْرُ مَا سَمْعِيٌّ (لَا عَلَى امْتِثَالِ النَّهْي إذْ لَمْ يُوجَدْ) الِامْتِثَالُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الْكَفِّ بَلْ إنَّمَا يُوجَدُ بِالْكَفِّ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى دَلِيلَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ فِعْلُ أَحَدِهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: ٣٠] إذْ الِاتِّخَاذُ افْتِعَالٌ وَالْمَهْجُورُ الْمَتْرُوكُ وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ السُّوَائِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ؟ فَسَكَتُوا قَالَ: حِفْظُ اللِّسَانِ» اهـ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بِلَفْظِ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ ثُمَّ قَالَ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ حَالُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ الْقُدْرَةُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ]
(مَسْأَلَةٌ الْقُدْرَةُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ بِالْعَقْلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ لِقُبْحِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ عَقْلًا وَاسْتِحَالَةِ نِسْبَةِ الْقَبِيحِ إلَيْهِ تَعَالَى وَبِالشَّرْعِ لِلْأَشَاعِرَةِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٦] الْآيَةَ) أَيْ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَكَوْنُهَا شَرْطًا عِنْدَهُمْ بِالشَّرْعِ (فِي الْمُمْكِنِ) لِذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ عَادَةً (كَحَمْلِ جَبَلٍ وَلَوْ كُلِّفَ بِهِ حَسَنٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّحْسِينِ وَضِدِّهِ) أَيْ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (فِي الْمُحَالِ لِذَاتِهِ) كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ (فَقِيلَ عَدَمُ جَوَازِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهِ (شَرْعِيٌّ لِلْآيَةِ) الْمَتْلُوَّةِ آنِفًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ (فَلَوْ كَلَّفَ) الشَّارِعُ (الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ (جَازَ) عَقْلًا (وَنُسِبَ لِلْأَشْعَرِيِّ) مِنْ قَوْلِهِ: الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ الْإِيجَازِ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَاجِزِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَتَكْلِيفَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ صَحِيحٌ وَجَائِزٌ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وُجِدَ تَكْلِيفُ اللَّهِ الْعِبَادَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَضِيَّةِ أَبِي لَهَبٍ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ اهـ (وَقِيلَ) عَدَمُ جَوَازِهِ (عَقْلِيٌّ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ لِاسْتِدْلَالِهِمَا عَلَى نَفْيِهِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ (لِمَلْزُومِيَّةِ الطَّلَبِ) الَّذِي هُوَ التَّكْلِيفُ (تَصَوُّرَ الْمَطْلُوبِ عَلَى وَجْهِ الْمَطْلُوبِيَّةِ) لِأَنَّ الطَّلَبَ اسْتِدْعَاءُ الْمَطْلُوبِ الْمُتَصَوَّرِ وُقُوعُهُ فِي نَفْسِ الطَّالِبِ (فَيُتَصَوَّرُ) الْمُحَالُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ (مُثْبَتًا) أَيْ وَاقِعًا فِي الْخَارِجِ (وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُ الْمُحَالِ مُثْبَتًا (تَصَوُّرُ الْمَلْزُومِ) الَّذِي هُوَ الْمُحَالُ (مَلْزُومًا لِنَقِيضِ اللَّازِمِ) وَهُوَ أَيْ نَقِيضُ اللَّازِمِ ثُبُوتُ الْمُحَالِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَصَوُّرُ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ مَاهِيَّتِه فَإِنَّ مَاهِيَّتَه تُنَافِي ثُبُوتَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ فَمَا يَكُونُ ثَابِتًا فَهُوَ غَيْرُ مَاهِيَّتِه (وَتَصَوُّرُ أَرْبَعَةٍ لَيْسَتْ زَوْجًا تَصَوُّرُ أَرْبَعَةٍ لَيْسَتْ أَرْبَعَةً) لِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِزَوْجٍ لَيْسَ بِأَرْبَعَةٍ فَالْمُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ وَلَيْسَ بِأَرْبَعَةٍ هَذَا خَلْفٌ
(وَنُوقِضَ بِلُزُومِ امْتِنَاعِ الْحُكْمِ بِامْتِنَاعِهِ خَارِجًا) أَيْ أُورِدَ عَلَى هَذَا نَقَضٌ إجْمَالِيُّ وَهُوَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ بِسَبَبِ امْتِنَاعِ الْمُحَالِ فِي الْخَارِجِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِامْتِنَاعِهِ خَارِجًا (فَرْعُ تَصَوُّرِهِ خَارِجًا) لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ بِدُونِ تَصَوُّرِهِ مُحَالٌ لَكِنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ لِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ مِنْ الْعُقَلَاءِ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ (أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّازِمَ) لِلْحُكْمِ بِامْتِنَاعِهِ خَارِجًا (تَصَوُّرُهُ) نَفْسُهُ فَقَطْ (لَا) تَصَوُّرُهُ (بِقَيْدِ إثْبَاتِهِ) خَارِجًا (وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُهُ كَذَلِكَ هُوَ (الْمُمْتَنِعُ فَيَتَصَوَّرُ) الْحَاكِمُ (الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ) الْغَيْرِ الْمُتَضَادَّةِ كَالْحَلَاوَةِ وَالْبَيَاضِ (وَيَنْفِيهِ) أَيْ الْحَاكِمُ الْجَمْعَ (عَنْهُمَا) أَيْ الضِّدَّيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَوَّرُ اجْتِمَاعَهُمَا مَنْفِيًّا (وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ مَنْفِيًّا عَنْ الضِّدَّيْنِ (كَافٍ) فِي الْحُكْمِ بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فِي الْخَارِجِ (بِخِلَافِ مَا يَسْتَدْعِيهِ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ (طَلَبُ إثْبَاتِهِ فِي الْخَارِجِ) فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِهِ مُثْبَتًا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute