للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَفْصُولًا (وَعَلَى هَذَا) الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لِمُحَمَّدٍ (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ عِنْدَهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لِشُمُولِ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيِّ لَهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ؟

لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِمَا سَنَذْكُرُ (وَبَطَلَ) اسْتِثْنَاؤُهُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِثْنَاءَهُ (مُسْتَغْرَقٌ) إمَّا لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْخُصُومَةِ وَهَذَا مَا وَعَدَنَا بِهِ، وَمِنْ هُنَا قِيلَ: لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ تَبَعًا لِلْإِنْكَارِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا بِخِلَافِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ كَوْنَ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ بِهَذَا مَا فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالذَّخِيرَةِ: قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، لَا رِوَايَةَ فِي هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ انْتَهَى.

فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِبُطْلَانِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ فَقَطْ رِوَايَةٌ بِبُطْلَانِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ دَلَالَةً، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ فِيهِ بِعَيْنِهِ خُصُوصًا ثُمَّ فِيهِمَا، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ فَبَعْضُهُمْ لَا: يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلٌ بِجَوَابِهَا، وَجَوَابَهَا إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ فَإِذَا اسْتَثْنَى كِلَيْهِمَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ شَيْئًا، وَبَعْضُهُمْ وَمِنْهُمْ الْقَاضِي صَاعِدٌ: يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَصِيرُ الْوَكِيلُ وَكِيلًا بِالسُّكُوتِ مَتَى حَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ يُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ وَهُوَ خَصْمٌ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مِنْ الْخَصْمِ كَافٍ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَالْإِنْكَارِ، وَلِلْمَطْلُوبِ نَوْعُ فَائِدَةٍ أَيْضًا كَمَا فِيمَا لَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ الْبَيْعَ - وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُهُ فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْبَيْعِ إذَا سَكَتَ وَكِيلُ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْبَيْعِ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْوَكِيلُ نَصًّا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ الْبَيْعَ، فَإِنَّ إنْكَارَ الْوَكِيلِ كَإِنْكَارِهِ فَعَلَى هَذَا فَالْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَائِلُونَ بِصِحَّتِهَا فِي صُورَةِ انْفِرَادِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً]

(مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ) الِاسْتِثْنَاءُ (جُمَلًا) مُتَعَاطِفَةً (بِالْوَاوِ وَنَحْوِهَا) وَهِيَ الْفَاءُ، وَثُمَّ، وَحَتَّى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ قَسَّمَ حُرُوفَ الْعَطْفِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا هَذِهِ قَالَ: وَهِيَ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا خِلَافُ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا فِي الْحُكْمِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَتَنْدَرِجُ الْجَمَلُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ قَطْعًا.

ثَانِيهَا " بَلْ "، وَ " لَا "، وَ " لَكِنْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بِعَيْنِهِ، نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ لَا النِّسَاءُ وَبَلْ النِّسَاءُ وَمَا قَامَ الْقَوْمُ لَكِنْ النِّسَاءُ فَالْقَائِمُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِعَيْنِهِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُمْكِنُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَنْدَرِجَا فِي الْحُكْمِ، وَالْعَوْدُ عَلَيْهِمَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا مَعًا مَحْكُومٌ عَلَيْهِمَا، إحْدَاهُمَا بِالنَّفْيِ وَالْأُخْرَى بِالثُّبُوتِ، فَالْمَنْفِيُّ مَا بَعْدَ لَا وَمَا قَبْلَ لَكِنْ وَبَلْ.

ثَالِثُهَا " أَوْ " وَ " إمَّا " وَ " أَمْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ أَوْ النِّسَاءُ، أَوْ أَمْ النِّسَاءُ، وَإِمَّا قَامَ الْقَوْمُ وَإِمَّا النِّسَاءُ، فَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ وَاحِدٌ قَطْعًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْآخَرِ بِالنَّفْيِ وَلَا بِالثُّبُوتِ فَلَا يَتَأَتَّى الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا تَنْدَرِجَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ، فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ مَنْ قَيَّدَ بِالْوَاوِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ - غَيْرُ جَامِعَةٍ، وَعِبَارَةُ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>