للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمَرَضِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُصَادِفُ مَحَلًّا مَشْغُولًا بِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَى الْوَارِثِ حَالَ الصِّحَّةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمَّا عَامَلَهُ فِي الصِّحَّةِ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَرَضِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ فِي مَرَضِهِ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَهُوَ عِنْدَ الْمَرَضِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ بَلْ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يُصَادِفْ إقْرَارُهُ مَحَلًّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ.

[الْحَيْضُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

(وَأَمَّا الْحَيْضُ) وَهُوَ عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ خَبَثُ دَمٍ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ وَحَدَثُ مَانِعِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفِ. (وَالنِّفَاسُ) وَهُوَ الدَّمُ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ هَذَا عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ خَبَثٌ وَأَمَّا عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ حَدَثٌ فَمَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ أَوْ الْوِلَادَةِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ إلَخْ (فَلَا يُسْقِطَانِ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا الْأَدَاءِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُخِلَّانِ بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَقُدْرَةِ الْبَدَنِ (إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْهُمَا شَرْطُ) أَدَاءِ (الصَّلَاةِ) بِالسُّنَّةِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلنِّسَاءِ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» وَبِالْإِجْمَاعِ (عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ) لِكَوْنِهِمَا مِنْ الْأَنْجَاسِ أَوْ الْأَحْدَاثِ وَالطَّهَارَةُ مِنْهُمَا شَرْطٌ لَهَا (وَ) شَرْطُ أَدَاءِ (الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِتَأَدِّيهِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (ثُمَّ انْتَفَى وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِمَا (لِلْحَرَجِ) لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُدَّةُ النِّفَاسِ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا (دُونَ الصَّوْمِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِ وُجُوبُ قَضَائِهِ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ وَالنِّفَاسُ يَنْدُرُ فِيهِ (كَمَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَلِعَدَمِ حُكْمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ لِانْتِفَاءِ الْأَدَاءِ شَرْعًا وَالْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَالتَّكْلِيفُ لِلرَّحْمَةِ وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ ابْتِدَاؤُهُمَا فِيهِ فَضْلًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَيَثْبُتُ لِفَائِدَةِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ وَيَشْهَدُ لَهُمَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ يَعْنِي الْحَيْضَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» وَعَلَيْهِمَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ثُمَّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ (فَانْتَفَى) وُجُوبُ أَدَاءِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا فِي حَالَتَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.

(أَوَّلًا) فِيهِ (خِلَافٌ) بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقِيلَ يَجِبُ وَنَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءُ لِتَحَقُّقِ الْأَهْلِيَّةِ وَالسَّبَبِ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمَا فَكَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَذَكَرَ مُتَأَخِّرٌ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَشُهُودُ الشَّهْرِ مُوجِبٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ هُنَا شُهُودُ الشَّهْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ لَا عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الظُّهْرِ مَثَلًا عَلَى مَنْ نَامَ جَمِيعَ وَقْتِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ هَذَا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِمَا بِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَأَظْهَرُ إذْ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبًا سَابِقًا فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَأَوْرَدَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُسَمَّى قَضَاءً لِعَدَمِ اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْ الْوُجُوبِ وَأُجِيبَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ انْحَصَرَ مُوجِبُ التَّسْمِيَةِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ، وَلَمْ يَجِبْ لِمَانِعٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالِانْتِفَاءُ أَقْيَسُ) بَلْ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ حَالَةَ الْحَيْضِ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا مَأْمُورًا بِهِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ السُّبْكِيُّ الْخُلْفُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ حَالَةَ الْعُذْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَالْقَضَاءُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ فِيمَا إذَا قُلْنَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي النِّيَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>