للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَوْ كَانَ الْفَوْرُ مُتَعَيَّنًا قَطْعًا لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى تَعَيُّنِهِ لَكَانَ قَضَاءً عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لِلْفَوْرِ لِفَوَاتِهِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُتَعَيَّنِ لَهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ.

(وَتَأَدَّى فَرْضُهُ) أَيْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ) لِلْحَجِّ (لِظَاهِرِ الْحَالِ) أَيْ حَالِ الْمُكَلَّفِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ (لَا) أَنَّ تَأَدِّيَهُ بِمُطْلَقِهَا (مِنْ حُكْمِ الْإِشْكَالِ) أَيْ كَوْنِ الْوَقْتِ مُشْكِلًا لِشَبَهِهِ بِالظَّرْفِ وَبِالْمِعْيَارِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ التَّأَدِّي بِهَا لِظَاهِرِ الْحَالِ (يَقَعُ) حَجُّهُ (عَنْ النَّفْلِ إذَا نَوَاهُ) أَيْ النَّفَلَ (لِانْتِفَاءِ الظَّاهِرِ) بِالتَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ لِرُجْحَانِ الصَّرِيحِ عَلَيْهِ (وَقَدْ يُبْنَيَانِ) أَيْ تَأَدَّى فَرْضِهِ بِمُطْلَقِهَا وَوُقُوعُهُ عَنْ النَّفْلِ إذَا نَوَاهُ (عَلَى الشَّبَهَيْنِ) شَبَهِ الْمِعْيَارِ وَشَبَهِ الظَّرْفِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ تَأَدِّيهِ بِمُطْلَقِهَا (لِشَبَهِ الْمِعْيَارِ) إذْ مِنْ شَأْنِ الْمُقَيِّدِ بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مِعْيَارٌ لِلْوَاجِبِ شَرْعًا إصَابَتُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ.

(وَالنَّفَلُ لِلظَّرْفِ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ مَا كَانَ ظَرْفًا لِلْوَاجِبِ أَنْ يَصِحَّ وُقُوعُ النَّفْلِ فِيهِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَالْبَانِي لِصِحَّةِ النَّفْلِ عَلَى شَبَهِ الظَّرْفِ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى بِنَاءِ وُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِهِ بِمُطْلَقِ نِيَّتِهِ عَلَى شَبَهِهِ بِالْمِعْيَارِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ بِنَائِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ كَمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِ الدَّلِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ عَلَى الدَّعْوَى) وَهِيَ (تَأَدِّيهِ بِنِيَّةِ الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ) الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ (حُكْمَ الْخَارِجِ) أَيْ غَيْرِ النَّاوِي (عَلَيْهِ) أَيْ الْحَاجِّ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْحَاجَّ (نَوَى الْفَرْضَ لَا) أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ (سُقُوطَهُ) أَيْ الْفَرْضِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَاجِّ (عِنْدَ اللَّهِ إذَا نَوَى الْحَجَّ مُطْلَقًا فِي الْوَاقِعِ) وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قِيلَ يَشْكُلُ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي يَسَعُهَا فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ دَلَالَةِ الْحَالِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَشْتَغِلُ بِأَدَاءِ النَّفْلِ مَعَ تَفْوِيتِ الْفَرْضِ فَظَهَرَ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى شَبَهِ الْمِعْيَارِ كَمَا لَحَظَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْرَبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ]

(مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ) أَيْ إيجَابِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ (مِنْ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ صَحِيحٌ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَشَاعِرَةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْوَاحِدَ الْمُبْهَمَ وَيُعْرَفُ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ (كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] فِي قُوَّةِ الْأَمْرِ بِالْإِطْعَامِ فَيُفِيدُ إيجَابَهُ وَقَدْ عَطَفَ الْكِسْوَةَ وَالتَّحْرِيرَ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي إيجَابَهُمَا أَيْضًا فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهَا وَاجِبًا عَلَى الْبَدَلِ لَا الْجَمْعِ لِاقْتِضَاءِ أَوْ ذَلِكَ (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ (أَمْرٌ بِالْجَمِيعِ وَيَسْقُطُ) وُجُوبُ الْجَمِيعِ (بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَقِيلَ) أَيْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَمْرٌ (بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَهُ تَعَالَى) دُونَ الْمُكَلَّفِينَ (وَهُوَ) أَيْ الْوَاحِدُ الْمُعَيَّنُ (مَا يَفْعَلُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (فَيَخْتَلِفُ) الْمَأْمُورُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مَا اخْتَارَهُ وَلَا شَكَّ فِي اخْتِلَافِ اخْتِيَارَاتِهِمْ.

(وَقِيلَ لَا يَخْتَلِفُ) الْمَأْمُورُ بِهِ بِاخْتِلَافِ الْمَفْعُولِ لَهُمْ (وَيَسْقُطُ) الْمَأْمُورُ بِهِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ (وَبِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْهَا وَيُسَمَّى هَذَا الْقَوْلُ التَّرَاجِمَ؛ لِأَنَّ الْأَشَاعِرَةَ تَرْوِيهِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَنْ الْأَشَاعِرَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَتَعَاضَدَ الْفَرِيقَانِ عَلَى إفْسَادِهِ فَإِذًا لَا يَسُوغُ نَقْلُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ قَالَ وَالِدُهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ (وَنَقْلُ) وُجُوبِ (الْجَمِيعِ عَلَى الْبَدَلِ) كَمَا هُوَ لَازِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالْجَمِيعِ وَيَسْقُطُ بِالْبَعْضِ وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (لَا يُعْرَفُ وَلَا مَعْنًى لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ) هُوَ (الْمُخْتَارَ) بِنَاءً عَلَى اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ تَارِكَهَا جَمِيعًا لَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ وَمُقِيمُهَا جَمِيعًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْبَهْشَمِيَّةِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَمَّا عَلَى أَنَّ تَارِكَهَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ وَالْآتِي بِهَا يَثْبُتُ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ فَالْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخْتَارِ ظَاهِرٌ.

(لَنَا الْقَطْعُ بِصِحَّةٍ أَوْجَبَتْ أَحَدَ هَذِهِ) الْأُمُورِ (فَإِنَّهُ) أَيْ قَوْلَهُ هَذَا (لَا يُوجِبُ جَهَالَةً مَانِعَةً مِنْ الِامْتِثَالِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ بِالْفِعْلِ) لِمُعَيَّنٍ مِنْهَا (وَتَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِمَا يَفْعَلُ كُلٌّ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>