(كَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ) فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا قَدْ يَكُونُ لِلْخَوْفِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْحَيَاءِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ عَدَمِ الْخَوْفِ الْمَعْصِيَةُ (غَيْرَ أَنَّهَا) أَيْ لَوْ (لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ) شَرْطًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ (كَانَ تَجَوُّزًا) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٩] أَيْ وَلِيَخْشَ اللَّهَ الَّذِينَ إنْ شَارَفُوا أَنْ يَتْرُكُوا وَأُوِّلَ هَكَذَا لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْصِيَاءِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ قَبْلَ التَّرْكِ لِأَنَّهُمْ بَعْدَهُ أَمْوَاتٌ (جُعِلَتْ لَهُ) أَيْ لِلشَّرْطِ كَإِنْ (فِي قَوْلِهِ لَوْ دَخَلْت عَتَقَتْ فَتَعْتِقُ بِهِ) أَيْ بِالدُّخُولِ (بَعْدَهُ) أَيْ قَوْلِهِ ذَلِكَ (فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَنْتِ طَالِقٌ (لَوْ دَخَلْت كَإِنْ دَخَلْت) فَلَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ (صَوْنًا عَنْ اللَّغْوِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ) وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ لِأَنَّ جَوَابَ لَوْلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْفَاءُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمِ الْعَامِرِيُّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ بِمَعْنَى إنْ جَازَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا ذَكَرَهُ الْقَاآنِيُّ وَعَلَى هَذَا مَشَى التُّمُرْتَاشِيُّ وَهُوَ أَوْجَهُ (بِخِلَافِ لَوْلَا لِأَنَّهُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي لِوُجُودِ الْأَوَّلِ لَيْسَ غَيْرَ فَلَا تَطْلُقُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا حُسْنُك أَوْ أَبُوك) أَيْ مَوْجُودٌ
(وَإِنْ زَالَ) الْحُسْنُ (وَمَاتَ) الْأَبُ لَجَعْلِهِ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ
[مَسْأَلَةُ كَيْفَ أَصْلُهَا سُؤَالٌ]
(مَسْأَلَةُ كَيْفَ أَصْلُهَا سُؤَالٌ عَنْ الْحَالِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ لِلْحَالِ فِي اُنْظُرْ إلَى كَيْفَ تَصْنَعُ) كَمَا حَكَاهُ قُطْرُبٌ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَيْ إلَى أَيِّ حَالٍ صَنَعَتْهُ (وَقِيَاسُهَا الشَّرْطُ جَزْمًا) اقْتَرَنَتْ بِمَا أَوْ لَا (كَالْكُوفِيِّينَ) وَقُطْرُبٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ الْجَزْمُ وَقِيلَ بِشَرْطِ اقْتِرَانِهَا بِمَا وَلَمْ يُجَوِّزْهُ سَائِرُ الْبَصْرِيِّينَ إلَّا شُذُوذًا (وَأَمَّا) كَوْنُهَا لِلشَّرْطِ (مَعْنًى فَاتِّفَاقٌ) لِأَنَّ الرَّبْطَ لَهَا مَوْجُودٌ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِلشَّرْطِ لِأَنَّ الرَّبْطَ الْمَعْنَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُجَازَاةِ وَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي نَحْوِ حِينَ يَقُومُ أَقُومُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حِينًا لِلْمُجَازَاةِ بَلْ هُوَ ظَرْفٌ مَحْضٌ يَقَعُ فِيهِ الْفِعْلَانِ قَالُوا: وَفِعْلَا الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ فَلَا يَجُوزُ كَيْفَ تَجْلِسُ أَذْهَبُ بِالِاتِّفَاقِ قِيلَ وَلِهَذَا لَمْ تَجْزِمْ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِمُخَالِفَتِهَا أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّ أَدَوَاتِهِ مُطْلَقَةٌ فِي هَذَا فَيَكُونَانِ فِيهَا مُتَّفِقَيْنِ نَحْوُ إنْ تَعُدْ نَعُدْ وَمُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ إنْ يَقُمْ أَقْعُدْ وَلَكِنْ فِي كَوْنِ هَذَا مَانِعًا مِنْ الْجَزْمِ مَا فِيهِ قَالُوا وَمِنْ وُرُودِهَا شَرْطًا {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: ٦٤] {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: ٦] {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الروم: ٤٨] وَجَوَابُهَا فِي ذَلِكَ كُلُّهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّ جَوَابَهَا يَجِبُ مُمَاثَلَتُهُ لِشَرْطِهَا اهـ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُنْفِقَ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُصَوِّرَكُمْ يُصَوِّرُكُمْ، كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يَبْسُطَهُ يَبْسُطُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ هُنَا لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِمُمَاثِلٍ لِلْجَزَاءِ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُمَاثِلِ لَهُ وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ
(وَمَا قِيلَ لَكِنَّهَا) أَيْ الْحَالِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا (غَيْرُ اخْتِيَارِيَّةٍ كَالسَّقَمِ وَالْكُهُولَةِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا إلَّا إذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا مَا) نَحْوُ كَيْفَمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الشَّرْطِ ضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ الِاخْتِيَارِ (وَلَا هُوَ) أَيْ الْحَالُ الْغَيْرُ الِاخْتِيَارِيِّ (فِي كَيْفَ كَانَ تَمْرِيضُ زَيْدٍ وَكَيْفَ تَجْلِسُ أَجْلِسُ) يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ كَوْنُ فِعْلِهِ اخْتِيَارِيًّا وَهُوَ ضِدُّ غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ فَإِنَّهُ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ تَمْرِيضُك زَيْدًا مِنْ الِاسْتِفْهاميِّة عَنْ الْحَالِ وَكَيْفَ تَجْلِسُ أَجْلِسُ فِي الْمُسْتَعْمَلَةِ شَرْطًا بِلَا زِيَادَةٍ مَا وَلَا هُوَ غَيْرُ اخْتِيَارِيٍّ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَى الْحَالِيَّةِ التَّفْرِيعُ فَطَالِقٌ كَيْفَ شِئْت تَعْلِيقٌ لِلْحَالِ) أَيْ لِحَالِ الطَّلَاقِ أَيْ صِفَتِهِ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (بِمَشِيئَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِذْ لَا انْفِكَاكَ) لِلطَّلَاقِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ كَكَوْنِهِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا بَيْنُونَةً خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً بِمَالٍ أَوْ دُونِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (تَعَلَّقَ الْأَصْلُ) أَيْ أَصْلُ الطَّلَاقِ (بِهَا) أَيْ كَانَ تَعْلِيقُ وَصْفِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا تَعْلِيقًا لِأَصْلِهِ بِهَا أَيْضًا (غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ) تَعَلَّقَ الْأَصْلُ بِمَشِيئَتِهَا أَيْضًا (عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ كَمَا ظَنَّ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَرَضٌ فَكَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى صِفَةٍ مُمْتَنِعًا فَكَانَ بِهِ نَفْسُهُ وَالظَّانُّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ قِيَامَ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ (بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا وَهُوَ النَّعْتُ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute